سيوفر تغيير القيادة العسكرية في العراق فرصة لتغيير مسار الحوار الجدلي في الولايات المتحدة حول إرسال المزيد من القوات إلى العراق، وممارسة المزيد من الضغوط بدلاً من ذلك على حكومة نوري المالكي. وما أن يمثل اللفتنانت جنرال "ديفيد بتريوس" أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، حتى يتوقع لذلك المجلس التشريعي، أن يستمع إلى إفادة مغايرة تماماً لكل ما درجوا على سماعه من إفادات وتقارير واردة من وزارة الدفاع. وحسبما علمت، فبدلاً من أن يطلب هذا الجنرال من الكونجرس أن يمنحه الحرية الكاملة للكيفية التي يدير بها عملياته هناك، فإنه يبدو منفتحاً على سماع رأي الكونجرس وتقييمه لما يجري في بلاد الرافدين. بل يرجح كذلك تأييد الجنرال "بتريوس"، للاقتراح المقدم في الأسبوع الماضي، بضرورة تلقي الكونجرس لتقارير متواترة عما يجري في العراق، من القيادة العسكرية الجديدة، حتى يتأكد الكونجرس من أن نوري المالكي ملتزم بوعوده الخاصة بتوفير القوات والكف عن التدخل السياسي في الشؤون العسكرية. وبالنظر إلى حجم المهام والواجبات التي يواجهها الجنرال، فإن تقريراً أسبوعياً عن التطورات الجارية في العراق، يبدو غير عملي، مع العلم أنه الجدول الدوري الزمني الذي كنت سأقترحه عليه. على أنه سيكون في وسع الجنرال "بتريوس" تقديم تقرير نصف شهري، وهو كفيل بأداء الرسالة نفسها وتوصيلها لنوري المالكي: ففيما إذا أخفق رئيس الوزراء العراقي في التعاون مع الاستراتيجية الجديدة لإدارة بوش في بلاده، فليدرك أنه قد أغلق الباب أمام أي دعم لاحق يطلبه من الكونجرس الأميركي. وعلى رغم أن ما سيتم اتخاذه وسنه من تشريعات في هذا الصدد، لن تكون مرضية لاتجاه الكثير من أعضاء الكونجرس، للحيلولة دون زيادة عدد قواتنا هناك، حسبما أمر بذلك الرئيس بوش، إلا أنها في الوقت ذاته، لن تمنع الرئيس بوش من المضي قدماً في تنفيذ استراتيجيته الجديدة هناك. وبالنتيجة، فإن "بتريوس" إنما يفتح طريقاً جديداً يعد بتحويل تنامي معارضة الحرب الدائرة، في صفوف كل من "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" على حد سواء، إلى مزيد من الضغوط الممارسة على رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي. بمعنى آخر، فإن المنحى الذي يتخذه الجنرال "بتريوس"، يوفر فرصة مثالية لوحدة صفوف "الديمقراطيين" و"الجمهوريين"، بما يمكنهما معاً من مراقبة مدى التزام المالكي بالانقضاض على ميليشيات كلا الجانبين المتحاربين– الميليشيات السُنية والشيعية- وبتوفير ما يكفي من القوات الوطنية العراقية، لتنفيذ هذه الحملة. وما يجعل كل هذا ممكناً ووارداً، شخصية الجنرال "بتريوس" نفسها. فهو على وشك نيل نيشانه العسكري الرابع، بتعيينه قائداً عاماً لقواتنا في العراق الآن، فضلاً عن مهاراته القيادية الحربية المجربة، بصفته قائداً سابقاً للفرقة الجوية رقم 101. وفوق ذلك كله، فهو حائز على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون، وله كتاب مرشد في حروب مكافحة التمرد، فضلاً عن كونه دارساً وباحثاً مميزاً في الشؤون السياسية الأميركية والعراقية على حد سواء. تضاف إلى ذلك، معرفته الجيدة بكيفية الحصول على الدعم الذي يطلبه لمهمته الحالية من الكونجرس. وفوق ذلك، فإن له تقييماً واقعياً يقوم على معرفة ملموسة بالقائمين على تصريف الأمور في العاصمة بغداد، وهو يبدي عزماً على التعامل الصارم والحازم معهم. بقي أن نقول إنه وحتى قبل تغيير القيادة العسكرية في العراق، كان الجنرال "بتريوس" قد أرسل مترجماً موثوقاً به، كلفه بمهمة تهيئة نوري المالكي للتعامل مع الرقابة اللصيقة التي سوف تفرض على أداء حكومته، ومدى تعاونها مع الاستراتيجية الجديدة المعلنة. وكانت صورة الجنرال "بتريوس" واضحة في صورة المشهد العراقي، خلال زيارة السناتور هيلاري كلينتون للعراق مؤخراً. وعلى رغم عظمة المهام والواجبات التي لا تزال بانتظارنا هناك، فإنه توفرت فرصة لوحدتنا السياسية الداخلية، وعلى الكونجرس أن يغتنمها ويستثمرها. ديفيد بوردر كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"