عما قريب سيرتفع برج ذهبي اللون لمسافة 1300 قدم في الفضاء ليطل من علٍ على القصور المتداعية القائمة على ضفة النهر في مدينة "بطرسبرج" التاريخية كعلامة دالة على الصعود السريع لشركة روسية عملاقة هي شركة "جاز بروم". وهذه الشركة التي تعمل في مجال الغاز الطبيعي والمملوكة من قبل الدولة هي الشركة الأولى في روسيا في الوقت الراهن بعد أن حققت أرباحا هائلة(زادت العام الماضي بنسبة 80 في المئة عن العام الذي سبقه)، مما جعلها تتفوق على العديد من الشركات الطاقة العملاقة في العالم مثل" شل" و"بي. بي"، وتصبح ثاني أكبر شركة في العالم في هذا المجال بعد "إكسون- موبيل". ويقول المراقبون إن هذه الشركة التي تمثل تكتلاً اقتصادياً ضخما وتمتلك بنكاً، وفريقاً لكرة القدم، وجناحاً إعلامياً أكبر بكثير من كونها مجرد عملاق جديد يظهر في سوق الطاقة العالمي، فهي في رأيهم تمثل سفينة القيادة أو رأس الحربة التي يستغلها الكرملين في نطاق استراتيجيته لاسترداد سيطرة الدولة على الاقتصاد واستخدام القوة المتعاظمة لشركات مثل جازبروم في تعزيز أجندة موسكو سواء في الداخل أو في الخارج. وقد تزايد القلق من الدور السياسي المتنامي الذي تلعبه جازبروم بعد أن قامت موسكو للمرة الثانية خلال عام واحد بقطع إمدادات الطاقة عن أوروبا على خلفية نزاع حول الأسعار بين روسيا وجيرانها الذين كانوا أعضاء في منظومة الاتحاد السوفييتي السابق. ويذكر أن سيطرة الدولة على صناعة النفط قد قفزت من 7 في المئة عام 2004، لتصل الآن إلى 35 في المئة ويتوقع لها أن تزداد أكثر خلال العام الحالي. ويقول الخبراء أن الكريملن يطبق السياسة التي اتبعها في السيطرة على قطاع النفط في قطاعات أخرى وأن الغرض من ذلك كما يقول "اليكسي موخين" مدير مركز المعلومات وهو مركز دراسات وبحوث يتخذ من موسكو مقرا له: "الكريملن ينوي بناء مجموعات اقتصادية ضخمة علي غرار نظام "شيابول" الكوري من أجل تحفيز النمو الاقتصادي في روسيا" (نظام شيابول هو نظام تكتلي احتكاري كوري جنوبي يتلقى دعماً من الدولة). ويقول "موخين":إن النمو الاقتصادي يجب أن يتم تحت قيادة الدولة لأن تجربة روسيا الاقتصادية في عقد التسعينيات من القرن الماضي أثبتت أن رجال الأعمال يصبحون بعد فترة متعطشين للسلطة ويحاولون شق طريقهم إلى الحكومة والمناصب السياسية عن طريق المال". وقد أصبح اسم "جازبروم من الأسماء المعروفة لدى معظم أفراد الأسر في الغرب وذلك بسبب الدور الذي لعبته الشركة مؤخراً في فرض أسعار عالية على صادرات موسكو من الغاز لأوكرانيا وبيلاروسا، وهو ما أدى إلى انقطاعه لفترة قصيرة كما أدى إلى نوع من القلق والاضطراب السياسي في الدول الأوروبية واتهامات مؤداها أن جازبروم تعمل في الوقت الراهن كأداة سياسية للكرملين. وتعلق "ليليا شيفيتسوفا" الخبيرة في مركز "كارنيجي" في موسكو على ذلك بقولها: "جازبروم تمثل جوهر الدولة الروسية وهي تعبر مباشرة عن إرادة الكرملين... وهي ليست شركة عادية وإنما هي شركة مغلقة غير شفافة وغير خاضعة للمساءلة إلا أمام سادتها السياسيين كما أنها تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها وكالات الاستخبارات". وعلى الرغم من أن مديري شركة جازبروم- وليس الدبلوماسيين الروس الرسميين- كانوا هم أول من أعلن عن الأنباء السيئة الخاصة بارتفاع أسعار الغاز المباع إلى عواصم الدولتين المذكورتين، فإن الشركة تنكر وجود أي دوافع سياسية وراء تلك القرارات. في هذا السياق قالت مديرة العلاقات العامة فيها إن الدول مجرد مالك للأسهم في الشركة والفارق بينها وبين غيرها أنها تمتلك 51 في المئة من تلك الأسهم... وهدف الشركة الوحيد هو جعل قطاع الطاقة في روسيا يعمل وفقا للقواعد والأسس التجارية المطبقة في الأسواق وتجعل العلاقات بين روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق علاقة تقوم على أسس تجارية سليمة وليس بناء على أي اعتبارات سياسية وأنه من الخطأ البين القول إن جازبروم تستخدم كأداة في أيدي الدولة الروسية أو لتعزيز أجندة السياسة الخارجية الخاصة بها... فالشركة في النهاية هي شركة تجارية تعمل بناء على مواد قانونها الأساسي ونظامها التأسيسي في المقام الأول". ولكن كلام هذه المسؤولة لا ينفي حقيقة أن الكرملين قد قام بخطوات غير عادية لتعزيز أوضاع الشركة ودعم نموها منها تمرير قانون في البرلمان الروسي يجعل جازبروم هي صاحبة الحق الحصري في تصدير الغاز الروسي وهو ما يؤدي إلى إبعاد كافة المصدرين الآخرين، علاوة على أن الشركة استفادت من الضغوط التي تمارسها الدولة الروسية على الشركات الأجنبية المساهمة في مشروعات النفط والغاز في روسيا، والتي دفعت شركة مثل "شل" على سبيل المثال إلى التخلي عن 50 في المئة من حصصها في أحد مشروعات تطوير قطاع الطاقة إلى جازبروم بأسعار بخسة. ولم يقتصر الأمر على "شل" بل أن هناك شركات أخرى تطمع جازبروم في الاستيلاء عليها، وجدت أنفسها هي الأخرى تعاني من ضغوط من أجهزة الدولة البيروقراطية التي تتهمها بارتكاب مخالفات محاسبية أوعدم الالتزام بالحصص الإنتاجية المتفق عليها وغيرها من المخالفات الإدارية. والهدف من ذلك كله هو زيادة سيطرة جازبروم ومساعدتها على التوسع خارج حدود روسيا. والحقيقة أن "جازبروم" كما يقول المراقبون تسعى بشكل حثيث إلى القيام بهذا الدور حيث تتطور بسرعة هائلة كإمبراطورية نفط وغاز نامية، كما أنها تمتلك بنكاً خاصاً وشركة تأمين خاصة وقامت مؤخراً بشراء فريق" زينيث" لكرة القدم في سان بطرسبرج كما عززت قبضتها بإنشاء ذراع إعلامية هي مؤسسة "جازبروم ميديا" التي قامت بدورها بشراء العديد من الملكيات الإعلامية الناجحة مثل شبكة "إن تي في" التلفزيونية المستقلة والجريدة المركزية الروسية "ازفستيا" وحولتها جميعا إلى أبواق للكريملن. وتعلق "ليليا شستوفا" المشار إليها آنفا على ذلك بقولها: "إن الجزء الخاص من الاقتصاد يتقلص بشكل سريع... فمنطق الرأسمالية البيروقراطية هو أن تضع يدك على المزيد، ولذلك فإننا سنجد عما قريب أن معظم القطع الممتازة من لحم الاقتصاد قد أصبحت تحت سيطرة الدولة". فريد واير مراسل "كريستيان ساينس مونيتور في موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"