احتفالا بالانتصار الذي أحرزه الحزب الصربي الراديكالي في إحدى ضواحي العاصمة بلغراد ليلية الأحد الماضي خرج أنصار الحزب الذين منحوه أصواتهم محتفلين في الشوارع احتفاء بأعضاء الحزب الذين ضمنوا لأنفسهم مقاعد في البرلمان الصربي. لكن رغم النتائج الجيدة التي حققها الحزب القومي المتشدد في الانتخابات التشريعية الأخيرة لم يتمكن أعضاؤه من الحصول على العدد الكافي من المقاعد الذي يؤهلهم لحكم البلاد بمفردهم. وإذا ما تمكنت الأحزاب الثلاثة الديمقراطية والموالية للغرب من تجاوز خلافاتها ونجحت في تشكيل ائتلاف حكومي سيجد الحزب الراديكالي نفسه خارج الحكم ومرة أخرى على هامش السلطة الجديدة. والواقع أن الصعود الملفت للحزب الراديكالي من خلال الأصوات المهمة التي حصدها في الانتخابات الأخيرة ينذر بمفاوضات دولية عسيرة للبت في وضع إقليم كوسوفو الذي تقطنه غالبية ألبانية. ويحتل موضوع كوسوفو موقع الصدارة في الأجندة الأوروبية وسط تنامي المخاوف من أن يؤدي الإصرار الصربي على بقاء كوسوفو ضمن البلد الأم بدعم من روسيا إلى التصادم مع الضغوط الدولية التي تسعى إلى ضمان استقلال كوسوفو عن صربيا. وفي هذا الإطار تعكف الأمم المتحدة على بلورة مجموعة من التوصيات التي من المنتظر أن تساهم في تسوية وضع كوسوفو والتوصل إلى حل بشأنها في منتصف شهر فبراير المقبل. وطيلة العام الماضي انخرط المبعوث الأممي "مارتي أهتساري" في جهود محمومة للتوصل إلى تسوية للوضع النهائي لإقليم كوسوفو بين صربيا التي مازالت تفرض، من الناحية التقنية، سيادتها على الإقليم، وبين السياسيين الألبان الذين يصرون على استقلال الإقليم. وليس واضحاً ما ستكون عليه الخطوة المقبلة بعد صدور تقرير المبعوث الأممي، لكن واشنطن وبروكسيل تشجعان انفصال كوسوفو عن الحكم الصربي. فقد عبرت أميركا والاتحاد الأوروبي عن موقفهما المشترك القاضي بمنح كوسوفو استقلالاً مشروطاً ينهي الإدارة الأممية للإقليم التي أعقبت قصف حلف شمال الأطلسي لصربيا سنة 1999 إثر قيامها بجرائم التطهير العرقي ضد الألبان في الإقليم. ويتوفر حلف "الناتو" على 16 ألفا من القوات تنتشر على امتداد الإقليم وتسهر على حفظ الأمن في كوسوفو. لكن رغم الحضور القوي للأمم المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي في الإقليم تحظى الحكومة الألبانية المؤقتة بنفوذ كبير جعلها قادرة على بسط سلطتها السياسية على سائر الإقليم. أمام الصرب الذين يشكلون 10% من إجمالي سكان كوسوفو فقط فضلوا مقاطعة الحكومة وعدم التعامل معها. ولئن كانت الأحزاب الصربية الديمقراطية الثلاثة تعارض انفصال كوسوفو عن البلد الأم، إلا أنها لم تصل بعد إلى درجة الحزب القومي الراديكالي في رفضه للمشروع وتهديده بالعودة إلى حمل السلاح إذا لزم الأمر لإبقاء كوسوفو ضمن الحظيرة الصربية. ولم يبدِ رئيس الوزراء "فويسلاف كوستونيتشا" إلى جانب "الراديكاليين" ما يؤشر على أنه مهتم للضغوط الغربية التي تزايدت على بلاده منذ 2000 بعدما فشلت صربيا في تسليم العناصر الصربية المتورطة في جرائم الحرب إلى محكمة الجنايات التابعة للأمم المتحدة. وبدلا من التودد إلى الغرب فضل رئيس الوزراء الصربي "كوستونيتشا" النظر شرقا ناحية روسيا بحثاً عن دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكد أكثر من مرة أن بلاده لن تؤيد أي حل أممي لا توافق عليه بلجراد. وهو ما يعني الدخول في نفق مسدود وتعطيل إمكانية الخروج بقرار أممي بسبب احتمال لجوء روسيا إلى إشهار حق النقض للحيلولة دون انفصال كوسوفو. وفي هذا السياق يقول "جيمس لايون"، محلل في مجموعة الأزمات الدولية "إن احتمال لجوء روسيا إلى استخدام الفيتو يبقى كبيراً ما لم تتم معالجة الانشغالات الروسية في منطقة القوقاز"، ملمحاً إلى المشاكل التي تواجهها روسيا في المنطقة والمرتبطة بالمطالب الانفصالية التي تنادي بها أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. ويضيف "جيمس لايون" قائلا "إذا ما أبدى المجتمع الدولي استعداده لإبرام صفقة مع روسيا في هذا الخصوص فإنها لن تلوح بالفيتو في موضوع كوسوفو". هذا ولا تقتصر التعقيدات على العلاقة بين القوى الدولية، بل تكمن أيضاً داخل الساحة السياسية الصربية نفسها، لا سيما الخلافات بين القوى السياسية الأساسية التي تعيق التوصل إلى ائتلاف حكومي. فحسب النتائج الأولية للانتخابات التي أفرج عنها يوم الأحد الماضي حصل حزب الراديكاليين على 81 مقعداً من بين 125 اللازمة للسيطرة على البرلمان بمقاعده الـ250. وقد عبر نائب الرئيس الراديكالي "توميسلاف نيكوليش" عن شكوكه في أن تتمكن الأحزاب الديمقراطية الثلاثة من التوصل إلى اتفاق فيما بينها يقودها إلى حكم البلاد بمقاعدها البالغة 131 مقعداً، قائلا "لا أرى بينهم سوى الصراع والتنافس، لذا لا أعتقد أنهم سيتمكنون من تشكيل حكومة ائتلافية". بيد أن الشكوك التي أثارها نائب الرئيس الصربي حول الكتلة الديمقراطية التي حكمت البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق سلوبودان ميلوسوفيتش لا تتفق مع شعور الرئيس الصربي الموالي لأوروبا "بوريس تاديش"، أو مع ما يتم تداوله في أروقة السفارة الأميركية في بلجراد. وفي هذا السياق صرح "مايكل بولت"، السفير الأميركي لدى صربيا قائلاً "أعتقد بأن الكتلة الديمقراطية قادرة على تشكيل حكومة ائتلافية لأن هذا ما يتمناه المواطنون". ومن المرجح أن ينضم إلى الرئيس الصربي الحالي "حزب صربيا الديمقراطي" الذي احتل المركز الثالث ويترأسه رئيس الوزراء "كوستونيتشا". كما أنه من المتوقع أيضاً أن يلتحق بهم حزب "جي 17" الذي انسحب من الحكومة السابقة بعد فشلها في تسليم مجرمي الحرب الصرب إلى محكمة الجنايات الدولية وما ترتب عنه من تعليق لخطوات صربيا الوليدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. بيث كامبشرور مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في صربيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"