في لبنان البلد الذي تطغى عليه السياسة المثيرة للانقسام والتوتر الطائفي، لم يتبن أحد مواقف مثيرة للجدل مثلما فعل ميشل عون. فحالياً يعد الجنرال "عون"، أحد زعماء مظاهرات الشارع التي تخوضها المعارضة في بيروت وتهدد بإسقاط حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة. غير أن هذه المناورة السياسية ليست سوى الأحدث ضمن سلسلة طويلة من المفاجآت السياسية والجدالات التي جعلت منه رقماً صعباً في المعادلة السياسية في لبنان، محطماً بذلك كل قواعد اللعبة السياسية اللبنانية، ومغذياً النقاش السياسي في البلاد. أنصار "عون" يُشبِّهونه بالزعيم الفرنسي الراحل "شارل ديجول" على اعتبار أنه يسعى لتوحيد بلد ممزق وإعادة الثقة إلى مؤسساته. أما بالنسبة لمنتقديه، فهو سياسي مصاب بجنون العظمة يثير الانقسامات، ويبدو أن أحداً لن يثنيه عن تحقيق مراده: الفوز بمنصب رئاسة الجمهورية. إذ يتهمه البعض، وهو المسيحي، بإثارة الانقسامات بين مسيحيي لبنان وتفريقهم إلى معسكرات متنافسة؛ وبالتالي، إضعافها أكثر. في حين ينحي آخرون عليه باللائمة لتحالفه مع "حزب الله"، قائلين إن الجنرال "عون" يتبنى أجندة شعبوية لتحقيق مآرب شخصية. والحال أن الجنرال "عون"، وكما جرت العادة، لا يأبه كثيراً لانتقادات المنتقدين. وفي هذا الإطار، يقول الجنرال البالغ من العمر 71 عاماً في منزله على التلال المشرفة على بيروت، "يمكنكم أن تقولوا إنني أعدت السياسة اللبنانية إلى الحياة؛ فقد كانت السياسة تحتضر". بدأ "التيار الوطني الحُر" الذي يتزعمه الجنرال عون، و"حزب الله" وبعض المجموعات الصغيرة احتجاجاتها في الأول من ديسمبر، متهمين السنيورة بالفساد الذي تسبب في إثقال كاهل البلاد بعشرات المليارات من الديون، وقائلين إن الحكومة الحالية لم تعد تمثل الواقع الجديد للبنان. ولذلك، تريد المعارضة من السنيورة التنحي عن السلطة أو توسيع حكومته للسماح لهم بكلمة أكبر بل وحتى سلطة الاعتراض؛ إلا أن السنيورة رفض هذه المطالب، مشدداً على أنه لن يتنحى عن السلطة. كما اتهم مسؤولو الحكومة المعارضة بتبني أجندة إيرانية- سورية. سخرية التحالف الذي عقده الجنرال عون، الذي أمضى جزءاً كبيراً من حياته في محاربة الهيمنة السورية على لبنان، مع "حزب الله"، الذي تربطه علاقات وثيقة بسوريا، لم يفهمها خصومه وأنصاره على حد سواء؛ غير أن هذا التقلب في الآراء والمواقف ليس بالأمر الجديد بالنسبة للجنرال "عون". فقبل عقدين من اليوم، سطع نجم الجنرال كقائد للجيش اللبناني الذي يتزعمه المسيحيون، حيث قاوم المليشيات المسيحية والسوريين. وعُين بعد ذلك رئيساً لوزراء لبنان بالنيابة في حكومة مؤقتة، وشن تمرداً قوياً على القوات السورية، قبل أن يضطر لمغادرة القصر الرئاسي ويختار المنفى في فرنسا عام 1990. ووفاء منه بما قطعه على نفسه، لم يعد إلى لبنان إلا بعد أن انسحبت منه القوات السورية. ويدافع الجنرال "عون" عن علاقاته مع "حزب الله" بالقول إن التحالف يهدف إلى صد سوريا وعدم السماح لها بالعودة إلى لبنان، مضيفاً أنه تعهد دائماً بالسعي إلى إقامة علاقات ودية مع سوريا عندما تكف عن التصرف كمحتل؛ غير أن الكثيرين يتهمونه بمحاولة الاستفادة من شعبية "حزب الله" بعد حربه الأخيرة مع إسرائيل الصيف الماضي من أجل الفوز بمنصب الرئاسة بعدما ينهي الرئيس الحالي الموالي لسوريا "إميل لحود" ولايته هذا العام. والجدير بالذكر في هذا السياق أنه ينظر إلى الحرب الأخيرة هنا على أنها انتصار لـ"حزب الله". والواقع أن الجنرال "عون" لا يخفي طموحه في أن يصبح رئيساً للبلاد، وهو منصب مخصص للمسيحيين عادة وفق نظام لبنان السياسي الطائفي المُعقد؛ إلا أن الكثيرين يشكون في قدرته على أن يكون الأفضل لانتهاج التوافق، والعمل على تجاوز التوترات عندما تنتهي أزمة الاعتصامات والمقاطعة الحالية التي تخوضها المعارضة. وفي هذا الإطار، يقول عون "بطبيعة الحال أطمح لأن أكون رئيساً للبلاد"، مضيفاً "لم أكن مهتماً بالأمر في البداية، ولكن نظراً للعناد الكبير الذي أبداه الخصوم ونظراً للصعوبة التي آلت إليها الأمور، فإنني مصمم اليوم على أن أصبح رئيساً. والواقع أنني أحظى اليوم بالدعم والشعبية لتحقيق ذلك". أما قاعدة أنصاره، فتتمثل أساساً في الطبقة الوسطى المسيحية، التي ترى أنها فقدت الكثير مقارنة مع طوائف لبنان الأخرى. خلافاً للعديد من شخصيات الطيف السياسي في لبنان، ينحدر الجنرال "عون" من أصول متواضعة؛ فقد ولد في أسرة مارونية فقيرة في "حارة حريك"، التي أصبحت في الثمانينيات معقلاً لـ"حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت. وهو أمر يسعى أنصاره لاستغلاله وإبرازه، معتبرين أن ذلك يؤهله لمعالجة مشكلات مثل الفساد. والواقع أن قليلين هم من توقعوا تحالفه مع "حزب الله"، وهو منظمة تبدو ظاهرياً على طرف نقيض مع "التيار الوطني الحر". ذلك أن "حزب الله"، المدعوم من قبل إيران، يعد اليوم المليشيا المسلحة الوحيدة في البلاد؛ في حين أن الجنرال "عون" معروف بدفاعه عن دولة قوية وعدائه للمليشيات. كما أن الجنرال عون مناوئ للتدخل الأجنبي في لبنان، في حين أن "حزب الله" يتلقى كامل تمويله تقريباً من إيران. ويقول الجنرال "عون" إنه لا ينبغي النظر إلى التحالف مع "حزب الله" بشكل مختلف عن التحالف الذي كان قائماً بين الحزب والتحالف الحاكم، والذي ساعد هذا الأخير على حصد مقاعد عديدة في انتخابات 2005. والحال أن التحالف مع "حزب الله" فاجأ أنصار الجنرال "عون" بقدر ما فاجأ خصومه. وفي هذا السياق، يقول "جبران باسل"، العضو في "التيار الوطني الحر" وصهر الجنرال، "تذكرون؟ لقد كان حزب الله خصماً لنا قبل عام ونصف العام؛ وكنا الطرف الوحيد الذي لم تكن له علاقة معهم". وقد تقرب الجنرال "عون" من زعيم "حزب الله" الشيخ حسن نصرالله العام الماضي، معلناً أنه ما زال يرى ضرورة تجريد "حزب الله" من أسلحته، ولكن فقط حينما تُحل شكاوى الحزب الرئيسية مع "حزب الله" والحكومة. ويقول الجنرال عون في أحد الحوارات: "الأمر لا يتعلق بحبي لـ"حزب الله" من عدمه؛ فأنا لا أحاول الدفاع عن "حزب الله" بقدر ما أحاول إيجاد حل معه، لأن من شأن صدام معه أن يدمرنا جميعاً". ويقول مسؤولو "حزب الله" إن هذه النزاهة هي التي خلقت جواً من الثقة بين الجنرال "عون" و"حزب الله". وفي هذا الإطار، يقول "غالب أبو زينب"، العضو في اللجنة السياسية لـ"حزب الله": "لقد أوجدت تلك الصراحة جواً من الثقة بين الشيعة والمسيحيين"، مضيفاً: "نحن لا نسعى إلى إقامة جمهورية إسلامية، بل نريد علاقات دبلوماسية وعادية مع سوريا، ونريد ديمقراطية توافق، وهو ما يسعى إليه التيار الوطني الحر". حسن فتاح ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"