في العاشر من شهر يناير الجاري، اعترف الرئيس بوش لأول مرة بارتكابه أخطاءً في حربه على العراق. ولكن بقي القول إن بعض هذه الأخطاء أشعلت نيران التمرد ضدنا هناك، بينما أسهمت أخرى منها في إيقاظ الفتنة الطائفية النائمة منذ عدة عقود. كما يجب القول أيضاً إن مجرد الاعتراف بالأخطاء، لا يعني قبول الهزيمة. بل على نقيض ذلك تماماً، فإن في تصحيح الأخطاء ما يفتح آفاقاً واسعة، لتحقيق النصر. ولهذا السبب أبدي ترحيبي باعتزام الرئيس بوش إرسال المزيد من القوات إلى العراق. وفي اعتقادي أن هذه القوات الإضافية، فضلاً عن سياسات القيادة العسكرية الجديدة، من شأنهما المساعدة في إخماد نار التمرد والعنف الطائفي، ما يمهد الطريق والأجواء لبدء خطى إعادة البناء هناك. على أنه يجب القول في ذات الوقت، إن تحقيق الاستقرار الأمني وحده لن يكون حلاً ولن يحقق نجاحاً، إذا ما كررت السفارة الأميركية في بغداد، وكذلك فريق إعادة البناء والتعمير الموجود هناك، الأخطاء ذاتها التي ارتكبت من قبل. وبينما يجري الاستعداد لنشر المزيد من قواتنا في العراق، فإن من المهم جداً على صانعي السياسات والقرارات في واشنطن، جرد كافة الأخطاء السابقة، وتفادي التقديرات الخاطئة السابقة للوضع العراقي، فضلاً عن العمل الجاد في التصدي لأكثر المشكلات ضغطاً وإلحاحاً هناك. وهذا ما يقودني لاستعراض التحديات السبعة التي نواجهها حالياً في طريق حل الأزمة القائمة. أولاً، الحفاظ على وحدة العراق وليس تقسيمه. وفي هذا فقد ذهب البعض من أعضاء الكونجرس، إلى تقديم اقتراح بتقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، على أساس ديني وطائفي وعرقي، باعتباره حلاً من الحلول المقدمة للقضاء على دوامة العنف الطائفي المستعر بين العراقيين. غير أن الاعتقاد بأن الولاء الطائفي يمثل عنصر وحدة ورابطاً دينياً اجتماعياً بين العراقيين، ليس بالاعتقاد السديد، وفيه ما ينمُّ عن رغبة في تجاهل قرن كامل من التنمية والمشاعر الوطنية العراقية، إضافة إلى تجاهله لحقيقة تعدد الرؤى والأفكار والاتجاهات داخل المجتمع العراقي. ولكل هذه الأسباب مجتمعة، فإن إعادة ترسيم الخريطة العراقية ليست حلاً، بقدر ما تمهد الطريق لنشوء نزاعات جديدة أشد ضراوة وعنفاً. ثانياً، الفساد. والملاحظ هنا أن الساسة العراقيين لا يعاملون الوزارات باعتبارها مسؤوليات عامة ألقيت على أعناقهم وضمائرهم، بقدر ما هي عطايا وهدايا منحت لهم، فيضيفونها إلى شبكة محسوبيتهم ومصالحهم الذاتية. ولا يعني هذا شيئاً آخر سوى ازدحام هذه الوزارات بجيوش من الموظفين الذين يفتقرون إلى الكفاءة والخبرة. والأسوأ في ممارسات الفساد هذه، ازدحام المستشفيات الحكومية بالذات، بهذا النوع من طاقم الموظفين. وغني عن القول غياب معايير المساءلة والمحاسبة وتقييم الأداء في ظل واقع كهذا. ولذلك فليس كافياً تعيين مجلس أو لجنة لمراقبة أداء الوزارات، بل لابد من وضع اختبارات معيارية محددة لكفاءة العاملين، فضلاً عن إنشاء آلية للمراقبة، بحيث تضمن إحلال الكفاءات التكنوقراطية المتخصصة، محل الطاقم المعين لاعتبارات شخصية أو سياسية أو طائفية وغيرها. ثالثاً، النفط. فبسبب عدم إدراك أهمية استمرار الإنتاج النفطي، والتقليل من ضرورة حماية الصادرات النفطية العراقية، وكذلك عدم مراعاة عدالة توزيع إيراداتها بين العراقيين، كانت الحصيلة في الفترة الماضية، إصابة الإنتاج النفطي بالتوقف والشلل، وتزايد المخاطر الأمنية التي تستهدفه. وللأسباب عينها، جاءت تقديرات وزارة المالية العراقية عن الفترة الماضية، أن نسبة تتراوح ما بين 40 إلى 50 في المئة من إجمالي عائدات النفط، إما اختلست، أو ذهبت على نحو ما لتمويل نشاط المليشيات والجماعات المسلحة المتمردة الأخرى. ويضاف إلى ذلك بالطبع فساد المسؤولين القائمين على صناعة النفط المحلي. وكل هذه مجموعة أخطاء يلزم تصحيحها والتصدي لها على الفور. رابعاً، إضفاء الطابع الشخصي على الممارسة السياسية. والملاحظ هنا ميل السياسات الأميركية المستمر للتعويل على شخصيات وزعامات وطنية بعينها، في رسم سياساتها الخارجية الخاصة بالدولة المعينة. وعلى رغم ما في هذه الاستراتيجية من مكاسب قصيرة المدى، إلا أن التكلفة السياسية بعيدة المدى لهذا النوع من الاستراتيجيات، عادة ما تكون باهظة الثمن. لكن وبدلاً من ذلك، فإن الصحيح أن نعول على بناء المؤسسات الوطنية العراقية، وليس الأشخاص الذين يبرزون ويختفون لعدة أسباب. ذلك أن المؤسسات الرئيسية العراقية لا تزال هزيلة وعاجزة عن الفعل تقريباً، وتفتقر إلى أي برامج دعم فني. خامساً، وللأفكار أهميتها أيضاً. فمنذ الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003، ساد الاعتقاد بين الكثيرين، بأن الولاءات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، إنما تقوم على أساس عشائري قبلي أو عرقي أو طائفي، ما يسد الطريق تماماً أمام أي نجاح سياسي للأحزاب والقوى السياسية الداعية إلى مفاهيم حقوق المرأة أو الاشتراكية أو الليبرالية وما إليها. وعلى رغم صحة ميل المجتمعات للتمسك بهذه الروابط العشائرية والطائفية في ظل هيمنة الأنظمة الشمولية عليها، إلا أنه ليس صحيحاً التمسك باستمرارية هذه البنى، طالما تمت الإطاحة بالنظام الشمولي، الذي يدفعها للتمسك بتلك البنى القديمة. سادساً، الحرب الأهلية. والملاحظ هنا سيادة وكثرة وصف ما يجري الآن في العراق بأنه حرب أهلية. غير أن حقيقة وطبيعة المعارك الدائرة فيه، هي لا تزال أبعد ما تكون عن مفهوم الحرب الأهلية. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن غالبية العراقيين ليست مشدودة إلى دوامة العنف الطائفي، بقدر ما هي تتطلع إلى استتباب الأمن والنظام، فإنه من غير الصحيح اعتقاد البعض هنا في واشنطن، بأن ما يجري هناك، لم يعد من شأننا ولا معركة تخصنا نحن. بيد أن هذه النزعة الانعزالية لم تعد تتناسب وقرننا الحالي. ولندرك أنه وفي حال انسحاب بلادنا من هناك، فإن الفراغ الذي ستخلفه وراءها سيملأ لا محالة، مع العلم بأن الذين يشغلونه هم نفسهم من سيتعقبوننا إلى شواطئ وعقر دارنا، تماماً مثلما فعل أسامة بن لادن في 11/9 من عام 2001. سابعاً وأخيراً، تفكيك حزب "البعث". نقر بأن حزب "البعث" الحاكم فيما مضى، يتحمل وحده مسؤولية ترهيب وقمع الشعب العراقي، ومصرع العشرات، إن لم يكن مئات الآلاف من المدنيين العراقيين الأبرياء، على امتداد الثلاثة عقود التي أحكم فيها قبضته على البلاد. ولذلك فمن الضروري مناهضة الآراء الداعية إلى إعادة دمج بعض كبار مسؤوليه السابقين، في العملية السياسية، وإعطاؤهم وظائف حكومية عليا في عراق ما بعد صدام. ولندرك أن مطلباً كهذا، إنما يصادر العدالة التي تستحقها غالبية العراقيين المقهورة طوال العقود الماضية. وكما أشار الكثير من المحللين والمراقبين، إلى أن هذا الاتجاه، أفقد المسلمين الشيعة ثقتهم في مصداقية واشنطن وسياساتها. وفوق ذلك كله، فالحقيقة أن نار العنف الطائفي لم يشتد أوارها كردة فعل على سياسة تفكيك البعث، وإنما رداً على تراجعنا عن هذه السياسة التي أعلناها باكراً. فهل تتسق سياساتنا هناك، ونبقى على قدر المهمة التي بدأناها؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ دانيل بليتيكا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نائب رئيس قسم "السياسات الخارجية والدفاعية" بمعهد "أميركان إنتربرايز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"