شهدت العلاقات الاقتصادية لدولة الإمارات مع الدول الصناعية الكبرى، خلال السنوات الماضية، قفزات كبيرة انحصرت لحد كبير في حدود التعاملات التجارية الضيقة التي تعززت بدورها بفعل أسعار النفط المرتفعة، حيث لم تستفد الإمارات من المكانة الصناعية والتقنية المتميزة لأكبر شركائها، وتحديداً اليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، رغم أن السوق الإماراتية تعد من أكبر أسواق المنطقة بالنسبة إلى المنتجات الصناعية والتقنية لهذه الدول، التي ترى بدورها في الإمارات موقعاً استراتيجياً يمكن أن تنفذ من خلاله إلى أسواق العالم. إن دعوة "غرفة تجارة وصناعة أبوظبي" الشركات والمؤسسات الصناعية اليابانية لتأسيس وحدات إنتاجية وتجميعية لها في الدولة، مؤخرا، تأتي ضمن مقدمات وعي بدأ يتبلور بشأن أهمية تدارك هذا الخلل في العلاقات الاقتصادية الخارجية، في ظل تحركات حثيثة من جانب الطرف الآخر، خاصة اليابان، للتوسع في إقامة فروع خارجية لأهم صناعاتها المحلية، حيث يزداد باستمرار عدد المصانع اليابانية والغربية التي تنقل ورشاتها إلى بلدان نامية من أجل صنع كامل منتجاتها، ولم يعد الأمر مقتصراً على تجميع قطع المعدات التي تصنع في البلد الأم، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن مصانع بكاملها ستهاجر إلى هناك. وفي ظل تغيرات في استراتيجية الصناعة العالمية، تجاوز إنتاج شركات صناعة السيارات اليابانية خارج البلاد إنتاجها في الداخل، خلال السنة المالية الماضية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الصناعة في اليابان، بعد أن جعلت أسعار النفط المرتفعة من السيارات اليابانية، التي تستحوذ على 31% من سوق السيارات في الإمارات، وتتميز بالكفاءة في استخدام الوقود، أكثر جاذبية أمام المستهلكين في مختلف أرجاء العالم. فاليوم تعد منطقة الشرق الأوسط عموماً بالنسبة إلى الدول الصناعية، شرياناً حيوياً لا يعوض، سواء كمصدر للطاقة أو كسوق لتصريف المنتجات، حيث تحرص هذه الدول جميعها بشتى الوسائل على ضمان موطئ قدم لها في المنطقة. وفي ظل عدم استقرار حجم التبادل التجاري بين الإمارات والدول الصناعية الكبرى، الذي تتحكم فيه أسعار النفط بصورة أساسية، وتحركات هذه الدول للتوسع في إقامة صناعات مساندة لها خارج أراضيها، خاصة اليابان، التي تعدُّ الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى دولة الإمارات، فإن الأخيرة مطالبة بإعادة النظر في استراتيجية تعاملاتها الاقتصادية مع اليابان خلال المرحلة المقبلة، بحيث يتم التركيز على اجتذاب الشركات اليابانية لإقامة صناعات تجميعية لها داخل الدولة، خاصة صناعات الإلكترونيات والسيارات، مستفيدة في ذلك من توافر مصادر الطاقة الرخيصة وانخفاض تكاليف الإنتاج والنقل والموقع الجغرافي المتميز وانفتاح الاقتصاد الإماراتي وبنيته الأساسية المتطورة، حيث إن قيام الصناعات التجميعية لسلع ومعدات مهمة، تشكل أغلب الصادرات اليابانية إلى الإمارات، مثل السيارات والإلكترونيات ومكونات صناعة تقنية المعلومات، تخدم العديد من الأهداف، فبجانب ما يمكن أن توفره من دفعة قوية لتطوير ونمو الصناعات الإماراتية وزيادة إسهامها في تنويع القاعدة الاقتصادية، يمكن لمثل هذه الصناعات التجميعية أن تلعب دوراً فاعلاً في نقل وتوطين التقنية المتطورة ورفع كفاءة الكوادر الوطنية، كما يمكن أن تمثل حلقة وصل مهمة تساعد على تكامل حلقات الإنتاج المحلية، ما يزيد بشكل فاعل القدرة التنافسية للمنتج المحلي بشكل عام. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.