في هذا الكتاب: "الإسلام في مرحلة ما بعد الشيوعية"، يحاول مؤلفه "أديب خالد" الجمع ما بين دراسته للإسلام من جهة، وعلاقته كعقيدة وشعائر وممارسة بحقبة ما بعد العهد السوفييتي في منطقة آسيا الوسطى. وضمن ذلك، يتناول الكاتب دراسة الأشكال والوسائل التي تم بها تحويل مجتمعات آسيا الوسطى خلال الوجود السوفييتي فيها. ويمهد المؤلف لدراسته هذه، باستعراض ملمح تاريخي عام لدخول الإسلام إلى هذا الجزء من الإمبراطورية الروسية القديمة، وكيفية تحوله إلى عقيدة وهوية ثقافية غالبة لأهله. كما تناول كذلك واقع التخلف الذي عانته آسيا الوسطى، منذ أيام العهد الإمبراطوري، وما رافق ذلك وصاحبه من تحديات كبيرة أمام التنمية وحركة الحداثة، الهادفة إلى تحويل الواقع الاجتماعي الاقتصادي والسياسي لهذا الجزء من الإمبراطورية، وتحديثه. وفي حين فشلت الإمبراطورية الروسية القديمة في إحداث هذا التحول، لاحظ المؤلف أن مدخل الحداثة الذي تبنته الدولة السوفييتية طوال السنوات الممتدة من عام 1917 وحتى لحظة انهيار النظام السوفييتي في مطلع التسعينيات، جاء بمثابة هزة عنيفة زلزلت كيان تلك المجتمعات التقليدية المحافظة في المنطقة، واستهدفت ضمن محاولتها حل المسألة القومية، وفقاً للمفهوم البلشفي الستاليني، الإسلام نفسه كعقيدة وممارسة وثقافة. بل رأى المؤلف أن تلك الحلول، انتهت إلى محاولة نزع الطابع الإسلامي نفسه للمنطقة، واستبداله بهوية بلشفية اشتراكية لا دينية في الأساس. وذهب خالد للقول إن الفشل الذي حاق بهذا المشروع الستاليني في جانب حل المسألة القومية، إنما حدث في إطار الفشل العام الذي حاق بالمشروع كله، جراء تبدد حلم تحويل العالم وتثويره وفق الرؤى البلشفية التي نهض عليها المشروع. لكن وخلافاً لتلك التصورات الطوباوية الخيالية الحالمة، قال خالد أديب، إن الذي حدث عملياً، هو أن الإسلام قد ضرب بجذوره عميقاً في تراب منطقة آسيا الوسطى، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من التقاليد الدينية والثقافية والاجتماعية لأهلها، فيما وصفه بأنه عنصر رئيسي من العناصر المكونة للنسيج القومي الإثني لسكان تلك المنطقة. ولذلك السبب، فقد كان من الصعب جداً اجتثاثه واقتلاعه، رغم العنت والصلف الذي مارسه جهاز الدولة السوفييتية. على أن ذلك لا يلغي أو يقلل من حقيقة خضوع هذه الهوية، للهويات الأخرى، التي استقوت واستحكمت بفعل السياسات السوفييتية الجائرة في حلها للمسألة القومية، على حد تعبيره. ولذلك فقد تضمن الكتاب فصلاً كاملاً خصص لمناقشة إحياء التقاليد والتراث الإسلاميين في المنطقة، في مرحلة ما بعد العهد السوفييتي، ليتضح أن ذلك الإحياء بات يمثل اليوم صحوة إسلامية جديدة في المنطقة. وضمن ما تعرض له المؤلف بالتناول والعرض المفصل، كون الإسلام في خندق المعارضة للنظام السوفييتي السابق، ولغالبية النظم الحاكمة اليوم في منطقة آسيا الوسطى. واستدراكاً منه لمغبة الربط بين هذه المعارضة الإسلامية -كما يسميها- وظاهرة الإرهاب والتطرف الأصولي، فقد خصص فصلاً آخر من كتابه لمناقشة ما أسماه بـ"سياسات مكافحة الإرهاب". ومن رأيه أن مخاوف الغرب وغالبية الأنظمة الحاكمة في منطقة آسيا الوسطى من الإسلام السياسي المتشدد، إنما يمكن تبديدها بالاستخدام الصحيح والرشيد لسياسات مكافحة الإرهاب، وعلى أساس التمييز بين ما هو إرهابي وما هو شرعي وعادل في حركات المعارضة التي تتخذ من الإسلام طابعاً آيديولوجياً لها. فليس بالضرورة أن توصف كل حركة من هذا النوع بصفة التشدد أو التطرف السياسي والديني، على حد رأي الكاتب. وفي هذا يمضى إلى المقارنة بين تجارب علمنة الإسلام في كل من تركيا ويوغوسلافيا السابقة، فضلاً عن تكرار التجربة نفسها في جمهوريات آسيا الوسطى. وبهذا الطرح، يحاول الكاتب وضع حد فاصل ما بين التدين عموماً، والتطرف في نظرية الإسلام السياسي القائمة في طابعها الغالب والأعم، على هدف إقامة الدولة الدينية، وفرضها بالقوة أو بوسائل العنف متى ما دعت الضرورة. وهو يقول إن هذا هو المنزلق الذي تنحدر منه نزعة التدين إلى مهاوي التطرف والإرهاب. والترياق الوحيد الواقي من الوقوع في هذا الفخ، حسب رأيه، هو أن تتجه المجتمعات المسلمة عموماً، وفي منطقة آسيا الوسطى التي يكرس الكاتب مناقشته لواقعها وقضاياها المعاصرة، باتجاه الحداثة والعلمنة المتوازنة، التي لا تتناقض ممارستها لشؤون حياتها اليومية والسياسية، مع عقيدتها وشعائرها وطقوسها الدينية. ومن وجهة نظر المؤلف، فإن هذا المنحى الحداثي العلماني لشعوب المنطقة، يشكل فارقاً جوهرياً بينه وبين تصورات الحل السوفييتي السابقة للمسألة القومية، في ذلك الجزء من الإمبراطورية السوفييتية. ويشير هذا الفارق إلى محاولة طمس الهوية الدينية بكاملها لشعوب جمهوريات آسيا الوسطى. ورغم قيمة الكتاب وأهميته، لجهة كونه دراسة لتاريخ الفكر والإسلام في منطقة آسيا الوسطى، وبوصفه محاولة لصياغة تصور معاصر حول واقع شعوب المنطقة ومستقبلها، فإنه يؤخذ عليه ميله للتعميمات النظرية الخاطفة، وخلوه من الدراسة المفصلة للكيفية التي حاول بها النظام السوفييتي السابق، طمس الهوية الإسلامية لشعوب المنطقة، وعدم تفصيله للمآخذ على حل المسألة القومية وفق التصور الذي انتقده، إضافة إلى ميله للتعميم العابر في حديثه عن "المعارضة الإسلامية"، وكأن تيارات هذه المعارضة، جميعها كتلة واحدة لا اختلاف بين مواقفها ورؤاها وأهدافها. ورغم توازن الرؤية العامة التي انطلق منها المؤلف في بحثه هذا، فإنه يظل منقصة للكتاب، عدم تناوله لظاهرة الإرهاب الإسلامي المستشرية اليوم في العديد من جمهوريات آسيا الوسطى. عبد الجبار عبد الله الكتاب: الإسلام بعد الشيوعية: الدين والسياسة في آسيا الوسطى المؤلف: أديب خالد الناشر: مطبعة جامعة كاليفورنيا تاريخ النشر: 2007