بعد إعلان الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عن جديد استراتيجيته في العراق، قام بإرسال وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في سياحة سياسية إلى المنطقة المعتدلة في الشرق الأوسط من أجل لاشيء. فجدول أعمال كوندوليزا في هذه الجولة، التي شملت ست دول، أقرب إلى المثل القائل والمعروف بلا أسمع، ولا أرى، بل أتكلم، مع الاعتذار لقائله، فلا شيء هو العنوان السياحي المعلن لزيارة رايس إلى المنطقة العاقلة، مقارنة بالمناطق الأخرى. استطاعت أميركا بهذه الزيارة أن تضيف جديداً إلى أنواع السياحة المعروفة في العالم من ترفيهية وتجارية وطبية وعلمية وصولاً إلى النوع الأخير من السياحة السياسية، التي ألقت الضوء على كل القضايا المشتعلة في الشرق الأوسط، وبالأخص القضية الفلسطينية التي أكدت إزاءها رايس بأن يتم التعامل معها على أساس أنها ملف منفصل تماماً عن كل الملفات الأخرى في العراق والصومال والسودان وأفغانستان وإيران وغيرها من البقاع المقبلة على الاشتعال، إذا ما امتدت السياحة السياسية لأميركا إلى دول المنطقة المجنونة. منذ الوهلة الأولى يظن المرء أن الزيارة الأخيرة لرايس تهدف إلى التسويق المكثف للاستراتيجية الجديدة في طريقة التعامل مع الحرب الطائفية غير المعلنة في العراق، والتي يسقط من أجلها عشرات الضحايا بصورة يومية كقرابين للديمقراطية العراقية، التي لم تستطع حتى الآن نبذ الطائفية في تشكيلتها والمدعمة أصلاً بالميليشيات المعروفة. فجديد بوش يتمثل في ضخ المزيد من الجنود والعتاد في بغداد، مع تسليم الحكومة العراقية المسؤولية الأمنية الكاملة في غضون الأشهر القليلة المقبلة، لكي ينعم العراقيون بالأمن الوطني وليس الأميركي، رغم وقوف بوش بكل ما يملك من قوة وراء المالكي الذي بدأ يلوِّح بعدم رغبته في الاستمرار في الحكم لفترة قادمة. فإذا تركنا صفة السياحة السياسية لجولة رايس جانباً وذهبنا إلى ما وراء تلك الزيارة من أهداف غير معلنة ولبسنا قناع المنطق السياسي لأميركا، فهل يعقل أن تتحرك رايس نحو المنطقة التي تحوي كل المشكلات في العالم بدون أجندة خفية تعمل على تسييح كافة المشكلات بين جميع الأطراف المعنية، وتحويلها إلى كومة من القنابل الموقوتة والتي قد لا تملك الدول المستهدفة مفاتيحها، ولكن لدى أميركا وحدها المفتاح الرئيسي فيها. إن التعويل على المعلن من خلال المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات التي عقدتها رايس يعني أن نغرق معها في التضليل الإعلامي لخطة أكبر من التركيز على حل الكارثة العراقية الراهنة، فالاستراتيجية الجديدة أبعد مدى من العراق، وإن كان العراق بمثابة الشمَّاعة التي لن تستطيع الصمود إلى فترة طويلة إذا ما استمرت الأوضاع العراقية الداخلية كما يرى بكل الألوان، والذي يجمع بينها لون الدماء التي لا تريد أن تجف. نعيد قولنا بأنه ليست أميركا التي تبعث وزيرة خارجيتها إلى المنطقة المعتدلة العاقلة وفق التصنيف الجديد للدول، فهي طارت إليها خماصاً ولابد وأن تعود بطاناً، وإلا فإن المنطقة لم تعد تحتمل المزيد من اللعب في الوقت الضائع. ففي كل يوم هناك مشكلة يتطاير شررها وتطال أميركا أولاً قبل غيرها من الدول، هنا فإن السياحة السياسية الجديدة لرايس لن تستمر طويلاً، فإذا كانت الأوراق المطلوبة لاستخراج الإذن السياحي الجديد قد تركت هناك بيد "الديمقراطيين" الجدد في الكونجرس، فإنها من الطبيعي ألا تعود إلى أميركا دون أن تحمل معها أوراقاً لممارسة لعبة الأمم الجديدة بما يتناسب مع الاستراتيجية الجديدة لبوش في السنتين الباقيتين من ولايته المنتهية سلفاً بانتهاء صلاحية التأشيرة السياسية للسياحة الجديدة في المنطقة.