على ضوء تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات الأميركية العدوانية في الشرق الأوسط وبشكل خاص في العراق، وعلى ضوء الموقف الصارم والصريح المناهض لاستمرار الاحتلال الذي اتخذه الكونجرس الأميركي، كان التوقع الطبيعي هو أن الإدارة الأميركية ستقوم بسبب ذلك بالعمل من أجل تخفيف حدة الأزمات القائمة، ومواصلة تحركها نحو تأمين مصالحها طويلة الأمد في هذه المنطقة المهمة من العالم. ليس هناك من شك في أن الإطاحة بالنظام الاستبدادي الديكتاتوري لصدام حسين قد قوبل بالرضا من جانب الشعب العراقي، ومن جانب غيره من الشعوب والحكومات في كافة أرجاء المنطقة. والسبب في ذلك الشعور بالرضا أن هذا النظام ذبح الآلاف من العراقيين الشرفاء، وشن حربين مدمرتين في المنطقة، وترك بعد زواله سجلاً حافلاً من السلوك الإجرامي، ومن نشر أسلحة الدمار الشامل، وشن حروب كيمياوية على الأعداء. وإيران التي عانت أشد أنواع الفظائع على أيدي نظام صدام حسين الاستبدادي والوحشي لم تكن أقل من غيرها أحساساً بالراحة والرضا وهي تشهد سقوط هذا النظام على النحو الذي تم به. على أن ذلك لا يجعلنا ننكر على الإطلاق أن الاحتلال الأميركي للعراق لم يؤدِّ سوى لمفاقمة أزمات هذا البلد من خلال تحويله إلى ساحة للتوتر والعنف والدمار الذي كان أكثر من عانى منه إلى جانب الشعب العراقي بالطبع هو الشعب الأميركي، الذي ينتظر أن يتحمل العب الثقيل للصراع الدائر هناك في الوقت الراهن. لقد تساءل المواطنون الأميركيون -ويجب أن يستمروا في التساؤل- عن الأسباب التي جعلت النخبة الموجودة على قمة السلطة في بلادهم تزج بهم، من خلال خطأ الحساب والتقدير، في هذه المغامرة العسكرية التي لم يترتب عليها شيء سوى المذابح والقتل الجماعي، وإطلاق نزعات الكراهية، وإنفاق مئات المليارات من الدولارات باسم الأمة الأميركية العظيمة. والحقيقة أنه لا يمكن لأحد -كما هو واضح- أن يصف هذه الحرب بأنها "حرب عادلة" طالما أنها لم تنجح في استئصال جذور العنف والإرهاب، ولم تؤدِّ سوى إلى تصعيد العنف، ووفرت للإرهابيين المزيد من الفرص لمواصلة سعيهم الحثيث من أجل تحقيق مشروعهم المدمر في نهاية المطاف. ولا يمكن بحال سواء نظرنا إليها من ناحية الأهداف المتوخاة، والوسائل المستخدمة، أن نعتبر أن الحرب العادلة تعني الاحتلال والعنف المتصاعد، وهو ما يدفعنا بالتالي للقول إن هذه الحرب ليست لها أية مبررات إذا ما قمنا بقياسها بموازين الحرية والعدالة. وأقترح من جانبي أن يتم تحذير الشعب الأميركي بأسلوب أكثر قوة من تداعيات السياسات المدمرة التي قامت إدارته بصياغتها وتنفيذها بهدف إذكاء نيران الصراع العشائري والطائفي والعرقي في العراق، ذلك الصراع الذي تسعى إلى إدامته واستمراره حتى تجد مبررات منطقية لاستمرار تواجد قواتها هناك. وإذا ما سمحنا لهذه النار المشتعلة الآن في العراق بالانتشار فإنها ستأتي على الأخضر واليابس، وستؤدي على أقل تقدير إلى سقوط الديمقراطية الوليدة في العراق. وليس هذا فحسب، بل إن تطلع شعوب المنطقة إلى حق تقرير مصيرها، وللحصول على مستويات مرضية من الحرية والاستقلال والتنمية، سيتعرض إلى الغرق تحت طوفان التطرف المدمر. يجب على الولايات المتحدة أن تتجنب الوقوع في خطأ زيادة قواتها الموجودة في العراق، وأن تعمل بدلاً من ذلك، وحسب النصائح التي قدمها السياسيون المحيطون بحقائق الأمور، بشكل عاجل على اتخاذ ترتيبات لخروج قواتها من المستنقع العراقي الذي خلقته هي نفسها. والشيء الذي يؤسف له أن المقترح الذي قدمته للأمين العام السابق للأمم المتحدة قبل احتلال العراق لم يتم الأخذ به. لقد اقترحت بشكل جدي أن تتعاون الدول المجاورة للعراق مع الأعضاء الخمسة الدائمين لمجلس الأمن الدولي، وتحت إشراف مباشر من المنظمة الدولية، لإيجاد طريقة مناسبة لإزالة نظام صدام السرطاني من عراقنا الحبيب. وقد رُفض مقترحي في ذلك الوقت بسبب الولايات المتحدة، التي تدخلت بصلف وعنجهية ضد هذا المقترح. ومما يدعو للأسف الشديد أيضاً أن النتائج الخطيرة التي تنبأتُ بها في ذلك المقترح قد تجسدت بالفعل على أرض الواقع كما نرى جميعاً في الوقت الراهن. وفيما يلي أقدِّم مقترحاً آخر بالأشياء التي يجب علينا أن نقوم بها على نحو عاجل: أولاً، إنهاء الاحتلال، والقضاء بالتالي على السبب الرئيسي للصراع مما يؤدي لنزع سلاح وإبطال حجج حركات التطرف العنيفة التي تدعي أن ما تقوم به من عنف موجه ضد الاحتلال في المقام الأول. ثانياً، ترسيخ دعائم الديمقراطية في العراق، والعمل على تقديم الدعم من أجل تأسيس أجهزة الأمن والاستخبارات والنظام والقانون بواسطة الحكومة. ويجب أن نمنح شعب العراق وحكومته الفرصة من أجل العمل على إرساء الديمقراطية الوليدة في هذا البلد على أسس راسخة. ثالثاً، الانخراط في مجهود منسق لإعادة إعمار العراق، ومساعدة حكومته المركزية على الاستجابة لمتطلبات الشعب المقهور ووضع الأسس اللازمة لتحقيق التنمية والتقدم في هذا البلد. وسيكون من المستحيل إنجاز أي هدف من هذه الأهداف دون وضع نهاية للاحتلال والتدخل الأجنبي، ودون وضع حد للنزعات الانفصالية العرقية والطائفية على وجه التحديد. ربما تستطيع الولايات المتحدة ضمان تحقيق أهدافها طويلة الأمد في المنطقة إذا ما سعت إلى تحقيقها على أسس من العدل، ومن خلال الالتزام بالواقعية، وتجنب الأوهام التضليلية للسياسيين، والالتزام بالعمل على تحقيق الأمن، ودعم التنمية في المنطقة. محمد خاتمي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس جمهورية إيران الإسلامية السابق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"