إن ظاهرة تهريب مشتقات النفط من دولة إلى أخرى، عبر الحدود البرية أو البحرية، هي من الظواهر المألوفة في بقاع شتى من العالم، إلا أن تهريب بعض هذه المشتقات إلى دولة تحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث حجم الاحتياطي المؤكد من النفط، وتمتلك ما يزيد على 97 مليار برميل، أو ما يعادل 9.3% من إجمالي الاحتياطي العالمي المؤكد من هذا المورد، يشير إلى أن هناك خللاً ما في السوق المحلي لهذه الدولة. إن تناول بعض الصحف الخليجية مؤخراً ظاهرة تهريب الوقود بنوعيه، البنزين والديزل، من بعض دول الجوار إلى دولة الإمارات، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار هذه المشتقات النفطية في السوق الإماراتية، وانخفاضها في المقابل بما يعادل النصف تقريباً في سوق بعض دول الجوار، يتطلب وقفة جادة من الجهات المختصة في الدولة لإعادة النظر بأسعار الوقود في السوق المحلية، بعد أن أصبحت هذه الأسعار أحد المكونات الأساسية في معادلة التضخم الذي أصبح يشكل نقطة الضعف الرئيسية في الاقتصاد المحلي. وبقدر ما أثارت شركات توزيع المشتقات النفطية في الدولة حملة إعلامية كبرى عند ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال العام الماضي، إذ لامست في بعض مراحلها حدود 80 دولاراً للبرميل، حيث استطاعت هذه الشركات أن تخرج من هذه الحملة بزيادات في أسعار مشتقاتها بلغت 31.5%، فإن أسعار النفط تقلُّ اليوم عن 55 دولاراً للبرميل، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول موقف هذه الشركات وموقف الجهات المعنية أيضاً من هذه المعطيات الجديدة في أسعار النفط. إن انخفاضاً بنسبة 30% في أسعار النفط يعني زيادة مباشرة في أرباح شركات التوزيع بهذه النسبة ذاتها! فهل ستستأثر شركات التوزيع بهذه الزيادة لنفسها أم ستتنازل عنها أو عن جزء منها لمصلحة المستهلك من خلال تخفيض أسعار مشتقاتها؟ مع تأكيد أن كامل هذه الأرباح هي من حق المستهلك الذي تفهَّم موقف الشركات وقَبِل "مؤقتاً" بأسعار مرتفعة لهذه المشتقات بسبب معطيات وظروف عابرة لا وجود لها حالياً. ورغم كل ذلك، فإن الحبل يجب ألا يُترك على الغارب، وألا يُعوَّل كثيراً على التحركات الفردية والمبادرات الإيجابية من شركات التوزيع، التي لا تعمل في بيئة تنافسية، والتي حوَّلت الإمارات من دولة مصدِّرة للنفط، إلى دولة مستوردة للنفط، ولكن بطرق غير مشروعة، بينما يقف المستهلك الذي يحمل على كاهله كل هذه الأعباء يتيماً، يفتقر إلى مؤسسة قوية ترعى مصالحه وتدافع عن حقوقه المشروعة، خاصة فيما يتعلق بالوقود كسلعة استراتيجية، بعد أن أدت الزيادة في أسعار هذه السلعة تحديداً إلى زيادة مضاعفة في المستوى العام للأسعار في الدولة، بفعل ارتباط الوقود بالأنشطة الاقتصادية كافة، ما أضعف كثيراً القوة الشرائية لدى المستهلكين، وأضعف كذلك القدرة التنافسية لدى جميع القطاعات غير النفطية في الدولة، خاصة قطاعات السياحة والفنادق وتجارة التجزئة. كما أن الزيادة العامة في الأسعار، تجعل من الإمارات باستمرار وجهة مرتفعة التكاليف. وبهذا المفهوم، فإن اتزان معادلة أسعار الوقود يجب أن يكون ضمن أولويات سياسة مكافحة التضخم، الذي أصبح ولأول مرة مدعاة للقلق، ومصدر التهديد الأول والمباشر للازدهار الاقتصادي الذي تشهده الدولة حالياً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.