أدت الطريقة السيِّئة والمرتبكة التي أديرت بها عملية إعدام صدام حسين، واثنين من معاونيه السابقين، في العراق من قبل حكومة يسيطر عليها الشيعة إلى تأجيج المشاعر الطائفية في منطقة الشرق الأوسط، حسب رأي العديد من الخبراء في المنطقة. الفوضى التي ميزت إعدام صدام والهدوء الذي أظهره أمام حبل المشنقة، فضلاً عن السخرية التي تعرض لها على يد حراسه الشيعة، كل هذا أدى في النهاية إلى تعزيز صورته لدى العديد من المسلمين السُّنة في العالم الإسلامي. ويبدو أيضاً أن الوحدة الإسلامية التي برزت مظاهرها بشكل واضح خلال الصيف الماضي عندما شنت إسرائيل هجومها على "حزب الله" الشيعي بدأت في الذبول والتلاشي. وفي الوقت الذي يشير فيه المحللون السياسيون والمسؤولون الحكوميون في المنطقة إلى الفائدة المحتملة التي قد تجنيها الحكومات السُّنية جراء مشاعر الخيبة المنتشرة ضد الشيعة المدعومين من إيران في المنطقة، إلا أنهم لا يخفون توجسهم من أن يؤدي التوتر المتصاعد بين الطوائف المختلفة إلى "بلقنة" المنطقة على غرار ما يجري حالياً في العراق. وفي هذا السياق يقول عماد جاد، خبير العلاقات الدولية بـ"مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" في القاهرة: "ينبئ الوضع الراهن بقرب اندلاع مواجهة مفتوحة بين السُّنة والشيعة في المنطقة، وستكون مصر طرفاً في هذا الصراع باعتبارها جزءاً من المحور السُّني، ولا أحد يستطيع الهروب من ذلك". والواقع أن الدينامكية الطائفية التي تموج بها المنطقة وتحولها إلى محط اهتمام العديد من المسؤولين والمراقبين في الأيام الأخيرة، لم تأت فقط نتيجة عمليات الإعدام الأخيرة، وتداعيات الحرب في العراق، أو الصراع السياسي الجاري في لبنان، بل هي ناجمة أيضاً عن تخوف الحكومات السُّنية في مصر والأردن والسعودية وبعض زعماء الدين السُّنة من تصاعد النفوذ الإيراني باعتبارها الحاضنة الأولى للشيعة في المنطقة. وكهذا تغلغل الشعور الطائفي داخل المناطق البعيدة عن عواصم دول المنطقة ليظهر على لسان مواطنين عاديين مثل "حمادة عبدالله"، الذي يعيش في إحدى القرى الواقعة في دلتا النيل بمصر. فقد أقدم "حمادة" على تعليق صورة الشيخ "حسن نصرالله" على حائط بيته أثناء حرب "حزب الله" مع إسرائيل ولم يهتم كثيراً لكونه شيعياً يوالي إيران. فبالنسبة للمواطن المصري "حمادة عبدالله" كان الشيخ "حسن نصر الله" قبل كل شيء قائداً عربياً شجاعاً تزعم المقاومة ضد الهجوم الإسرائيلي وتصدى له ببسالة نادرة. لكن منذ إعدام صدام حسين في بغداد ودخول "حزب الله" في صراع سياسي بهدف إزاحة الحكومة التي يقودها السُّنة في لبنان بدأ يراجع مواقفه السابقة وينظر إلى ما يجري في المنطقة بحذر. واليوم يقول "حمادة عبدالله" إن لديه شكوكاً كبيرة إزاء "حسن نصرالله"، لأن ميلشياته في الجنوب شيعية. وبينما يطمح بعض القادة السُّنة في المنطقة وإلى جانبهم مسؤولون أميركيون إلى تراجع النفوذ الشيعي بسبب التوتر المتصاعد يحذر البعض الآخر من خطر خروج الولاءات الطائفية عن السيطرة. وفي السياق نفسه يقول "طاهر المصري"، وهو رئيس وزراء سابق في الأردن: "عندما قام حزب الله بما قام به في جنوب لبنان، لم يفكر أحد في أنه حزب شيعي، بل كان في نظر الناس حزباً وطنياً، لكن اليوم بعد الطريقة التي أعدم بها صدام حسين في العراق، وعدم تنديد الحزب بذلك والتزامه الصمت أصبح الناس ينظرون إلى حزب الله على أنه شيعي بالدرجة الأولى". ولم تفوِّت الحكومات السُّنية في المنطقة حادثة إعدام صدام في يوم ديني له حرمته لدى المسلمين لاستخدامها كسلاح في صراع التجاذب حول الريادة في المنطقة. "مروان قبلان"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دمشق يقول في هذا الصدد: "تستخدم الحكومات السُّنية والزعماء الدينيون الورقة الطائفية لضرب النفوذ الإيراني، لما يعتبرونه اختراقاً إيرانياً للعالم العربي بعد سقوط العراق الذي كان يمثل الدرع الواقي ضد التمدد الإيراني في المنطقة". وفيما تفرق بين الطائفتين الرئيسيتين في العالم الإسلامي، كما تجمع بينهما قضايا "لاهوتية" عديدة، يزداد التجاذب الحالي بين قادة السُّنة الراغبين في الحفاظ على نفوذهم التقليدي في المنطقة، والقوة الشيعية الصاعدة والمُصرة على التمتع بحيز أكبر للنفوذ والسلطة في الدول التي تتواجد فيها. فبعد الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" وصل النفوذ الشيعي في المنطقة إلى ذروته كنقيض للقيادة السُّنية التي نُظر إليها على أنها قيادة فاسدة وعاجزة، وأنها مرتهنة للغرب ولسياساته. وفي هذا الإطار اكتسب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والشيخ "حسن نصرالله" شعبية واسعة في المنطقة لما أظهراه من تحدٍّ واضح للولايات المتحدة. وعندما أغلقت الأبواب في وجه "حزب الله" الذي سعى إلى الحصول على سلطة أكبر في لبنان، لجأ إلى الاعتصام بهدف إسقاط الحكومة. والأكثر من ذلك أن وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومات السُّنية في المنطقة تساهم في ترسيخ الفرقة، أو على الأقل الشعور بالارتياب السائد بين الطائفتين في العالم الإسلامي. ففي مصر مثلاً لا تتوقف وسائل الإعلام المختلفة عن استخدام العناوين والتعليقات، فضلاً عن البرامج التلفزيونية التي تسلط الضوء على الانتهاكات الشيعية المزعومة. وهكذا وضعت مجلة "روز اليوسف" المصرية عنواناً لافتاً تصدر غلاف عددها الأخير يقول: "بروز وجه الشيعة القبيح، وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة". وتعتبر مثل تلك التصريحات مؤشراً واضحاً على مدى الغليان الطائفي المتفشي في الشرق الأوسط وخطورته على مستقبل السلم والاستقرار في المنطقة. مايكل سلاكمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في القاهرة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"