تنطلق اليوم في جوهرة الخليج، العاصمة الإماراتية أبوظبي، بطولة كأس الخليج الثامنة عشرة لكرة القدم (خليجي 18)، لتحتلّ فعالياتها صدارة الأنباء والاهتمامات الإقليمية على مدار الأسبوعين المقبلين. وإلى جانب ما تنطوي عليه البطولة من دلالات رمزية ذات صلة وثيقة بعلاقات الأخوة والأواصر الوثيقة التي تربط بين أبناء المنطقة، فإن الاهتمام الواضح بالدورة الثامنة عشرة تحديداً، يعكس التحوّلات التي طرأت على الفكر التنظيمي للبطولات الإقليمية والدولية في مختلف أرجاء العالم. حيث تحوّلت استضافة البطولات الرياضية من "مَغرَم" يتقاذفه البعض، ويتهرّب منه البعض الآخر، إلى ميدان للتنافس الشرس على استضافة البطولات الرياضية، خصوصاً الألعاب والرياضات ذات الشهرة الجماهيرية، باعتبارها بوابة لتحقيق أهداف عديدة ذات صلة بمختلف جوانب التنمية والاستثمار بالدول المنظمة. الكاتب الفرنسي باسكال بونيفاس، يرى أن كرة القدم هي الاستثناء الأجمل في ظاهرة العولمة، وأنها الوسيلة التي تبقّت لتحقيق التقارب بين الشعوب، والحفاظ على الهويات الوطنية، وقد رأينا ذلك بالفعل في بطولات الخليج السابقة، وكيف تؤثر في الالتفاف الجماهيري حول الهوية والمواطنة الخليجية، وكيف تحقق ما تأخرت السياسة عن تحقيقه، من تجسيد لهذه الأفكار على أرض الواقع. ورغم ما يكتنف التنافس الرياضي من حساسيات تقليدية بين دول الجوار، تشكّل سِمة للرياضة في مختلف أنحاء العالم، فإن هذه الحساسيات تبقى في خليجنا العربي محاطةً بإطار من الاحترام المتبادل والخُلُق الرياضي الرفيع، ولا تقفز إلى ما هو أبعد من ذلك. تنظيم البطولات الرياضية أيضاً أصبح "صناعة" تُدار احترافياً، وتدرّ دخلاً اقتصادياً هائلاً للدول، سواء من خلال تنشيط قطاع السياحة والفنادق، أو قطاع الإعلانات، وغير ذلك من القطاعات ذات الصلة، كما أنها فرصة لاستعراض القدرات التنظيمية، وتطور الكوادر البشرية في الدول، وهي أيضاً فرصة ترويجية مثالية لاستعراض النجاحات التنموية والتخطيطية. فالبطولات الرياضية، بما يرافقها من تكثيف للتغطيات الإعلامية، وجولات للوفود الزائرة، توفر دعاية مجانية تحقق أثراً إيجابياً يفوق بمئات المراحل ما يمكن أن ننفقه على خطط العلاقات العامة والدعاية التي تتطلبها النهضة التنموية، وما يضاعف القيمة النوعية لذلك، أن العلاقات العامة باتت جزءاً مفصلياً من آليات العلاقات الدولية، وبما عُرِف اصطلاحاً بـ"تسويق الدول"، وإدارة النجاح، للاستفادة من هذا التسويق في بناء صور نمطية تنعكس بدورها في المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية. وقد رأينا في (أولمبياد أثينا)، ومن قبلها في بكين، وفي التنافس الدولي حول استضافة مختلف البطولات والتجمعات الرياضية، كيف أن الرياضة باتت بالفعل في خدمة الاقتصادات، فاليونان مثلاً ربطت بين (الأولمبياد)، وبين تعريف العالم بالفرص التجارية المتاحة فيها، ما يؤكد أن آليات العولمة قد دفعت الرياضة إلى شق طريقها نحو التجارة، لتصبح الرياضة قطاعاً اقتصادياً مستقبلياً، وهو الأمر الذي سبق وأن أكدته المفوضية الأوروبية منذ عام 1994 في كتابها الأبيض عن "سوق الأيدي العاملة"، حين نظرت إلى الرياضة باعتبارها مصدراً رئيسيّاً لتوفير العمل وتحقيق النمو الاقتصادي. إن الرياضة في دولة الإمارات تحظى بمكانة استثنائية من جانب أرفع المستويات السياسية بالدولة، وهذه المكانة تنعكس إيجاباً في حضور الرياضة بقوة ضمن أولويات خطط النهضة التنموية الشاملة في الإمارات، ولذا فإن "خليجي 18" ستكون بإذن الله علامة فارقة في تاريخ البطولات الكروية الخليجية، من حيث التنظيم، وستُسهم إيجاباً في تعزيز النهضة الرياضية الخليجية، وتعميق مشاعر الأخوّة بين الأشقاء. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.