استطاعت الدبلوماسية الإماراتية، وعلى رأسها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، تحقيق مكاسب سياسية مهمة للدولة، وفي لحظة حاسمة من تاريخ المنطقة من خلال الزيارة التي قام بها سموه إلى العاصمة الإيرانية. فقد أسمع سمو الشيخ عبدالله بن زايد مواقف الإمارات للمسؤولين في إيران فيما يحوم حولها الآن، ووقتها كانت مفاجأة لكثير من المراقبين. فحينما كان الجميع ينتظر زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس للمنطقة لإقناع الدول العربية المعتدلة، ومنها الإمارات، واستقطابها ضد إيران على خلفية التطورات الأخيرة في الملف النووي الإيراني، جاءت زيارة سمو الشيخ عبدالله وتصريحاته، كرسالة سياسية قوية تم التخطيط لها بعناية ودقة؛ لتوضيح الحقائق ونسف أي تحليلات واجتهادات أخرى اعتاد أصحابها الزج باسم الإمارات في الحديث عن أي احتمالات لاستهداف إيران. اعتاد كثيرون الانطلاق من قضية الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) للإيحاء بأن هذا النزاع قد يدفع الإمارات إلى استغلال موجة الضغوط الأميركية تجاه إيران والتصعيد ضدها أو وضع نفسها في خدمة أي تحرك مضاد لإيران، وهذا المنطق اللامعقول الذي تحركه الاجتهادات الفردية، البعيدة عن الواقع، ينزع عن السياسة الخارجية الإماراتية إحدى أبرز سماتها التي اشتهرت بها الدولة منذ تأسيسها، وهي الهدوء والحكمة. فلا يمكن لدبلوماسية تلك سمتها أن تقع في فخ تجاهل اعتبارات كثيرة بدول الجوار والنظر إلى الأمور من زاوية ضيقة، وكأن دولة الإمارات ليس لديها مصالحها الوطنية الخاصة بها وأجندتها المتعلقة بأمنها القومي. حتى قبل زيارة سمو الشيخ عبدالله إلى طهران كان البعض يعتقد أن التهديدات الأميركية لإيران تمر عبر بوابة الاتفاق بين الإمارات وأميركا، انطلاقاً من الخلاف الإماراتي مع إيران حول الجزر المحتلة أو غير ذلك، وأن استغلال قضية الجزر وغيرها من القضايا الداخلية في المنطقة هي عوامل لزيادة الضغوط على إيران. يستشف من الزيارة والتصريحات التي تخللتها أن أكثر الأشياء جذباً للانتباه ومدعاة للدهشة، أنها جاءت في وقت حساس تمر به المنطقة، ومع ذلك جاءت تصريحات سمو الشيخ عبدالله واضحة، قاطعة، محددة لا تقبل التأويل ولا التحريف. وإذا انتبه المرء جيداً، لما يدور في المنطقة من تطورات وأحداث سياسية بالغة الحدة، يفهم أن أهمية هذه الزيارة، كونها أيضاً جاءت كمناسبة لجس النبض الإيراني وتوضيح المواقف ووضع النقاط على الحروف والإطلاع على النوايا، خاصة بعد تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد التي قال فيها إن أي دولة توافق على العقوبات تتحمل تبعاتها، في إشارة يفهم أنها موجهة لدول مجلس التعاون، رغم معرفة قادة إيران بأن لدول العالم التزامات دولية لا يمكن التنصل منها، خاصة أن منطقة الخليج ودولها هي المحيط الإقليمي الذي يتوجه إليه قرار العقوبات الدولية. الزيارة كانت تحركاً دبلوماسياً استباقياً ذكياً، أبرز ما فيه عنصر التوقيت وحرفية التصريحات، وإذا ما كان هناك من فائدة ستجنيها دولة الإمارات من هذه "الزيارة التاريخية" فهي أنها نجحت في استباق أي تحليل غير دقيق لموقف الإمارات من التطورات الحالية، وغطت على أي احتمال يمكن أن يفسر زيارة رايس للمنطقة. "ويبقى في الانتظار" من إيران إحداث نقلة سياسية نوعية تتوازى مع المواقف الإماراتية، بحيث تترسخ أسس علاقات أفضل للمرحلة المقبلة وصولاً إلى حل للخلافات التي تخيم على العلاقات، سواء فيما يتعلق بقضية الجزر المحتلة أو بالمخاوف الإقليمية المشروعة من تبعات البرنامج النووي الإيراني. الزيارة بتفاصيلها وتوقيتها، دليل قوي على نهج الإمارات القائم على حسن الجوار والرغبة في حل الخلافات بالطرق الودية والمباشرة، ويبقى أن تتجاوب إيران وتتقدم خطوة إلى الأمام في علاقاتها، وأيضاً في نواياها نحو الجوار الخليجي.