هناك قنبلتان موقوتتان ترتبطان بالعراق تدقان حالياً، وستقرران إذا ما انفجرتا مصير الملايين من البشر الذين وجدوا أنفسهم عالقين في مرمى نيران هذه الحرب. القنبلة الأولى هي السخط الشعبي الأميركي المتصاعد، ليس فقط نحو الحرب، وإنما نحو الرئيس نفسه. أما الثانية، فتتعلق بالديناميات العراقية الداخلية التي تدل كافة المؤشرات على أنها تمضي في اتجاه حرب أهلية موسعة. وإذا ما وصلت كل قنبلة من تينك القنبلتين إلى نقطة الانفجار، فإن المغامرة الأميركية في العراق، ستصبح مغامرة محكوماً عليها بالفشل الذريع لا محالة. والمشكلة في خطة الرئيس بوش"الجديدة" الأخيرة هي أنها قد تجاهلت هاتين (الحقيقتين- القنبلتين)، اللتين يمكن أن تنفجرا، وتلحقا ضرراً بالغاً بالولايات المتحدة. لقد وُصف الخطاب الذي ألقاه بوش ليلة الأربعاء الماضي بأنه "أهم خطاب اتخذه منذ أن تولى الرئاسة". ولكن الحقيقة أن هذا الخطاب يُعد -على الأقل- ثالث أهم خطاب يلقيه أثناء ولايته كلها كان مقصوداً بها استنقاذ مشروعه في العراق. غير أن سجل بوش الطويل في الفشل سواء في الحرب، أو في الاستجابة لـ"كاترينا"، أو في مسائل أخرى، عرَّضه لخسائر فادحة منها أنها فقد -ولا يزال يفقد- ثقة الشعب الأميركي، وهي ثقة لا غنى عنها لدعم قيادته في ظروف حرب تفقد شعبيتها بشكل مطرد. ولو كانت شعبية الرئيس في حدود 60 في المئة، وكان الدعم للحرب متساوياً بين الحزبين، فلربما كان بإمكانه أن ينجح في تمرير خطته الخاصة بزيادة عدد القوات الأميركية العاملة في العراق. أما حينما تنحدر نسبة تأييد سياسته إلى 35 في المئة ونسبة الدعم لقيادته للحرب على العراق إلى 25 في المئة، فإنه يبدو في هذه الحالة أكثر شبهاً ببائع فاشل يعرض بضائع مرفوضة. والتحليلات المبكِّرة لخطابه تدلل على صحة ذلك. فقبل ذلك الخطاب كانت نسبة الأميركيين التي تؤيد إرسال أعداد إضافية من القوات إلى العراق لا تزيد عن الثلث، وبعد الخطاب ظلت تلك النسبة كما هي وظل ثلثا الشعب ضد هذه الزيادة. قراءة نتائج استطلاعات الرأي هي الهواية المفضلة للزعماء السياسيين. لذلك ليس هناك ما يدعو للدهشة عندما نعرف أن "الديمقراطيين" لم يكونوا هم وحدهم الذين عارضوا في شبه إجماع سياسة بوش الجديدة في العراق، وأن هناك عدداً من كبار الأعضاء "الجمهوريين" في مجلسي "النواب" و"الشيوخ"، قد عارضوها أيضاً. من هؤلاء "الجمهوريين" على سبيل المثال السيناتور "هاجل" "الجمهوري" عن ولاية نبراسكا، والمرشح لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2008، الذي وصف الخطة الجديدة بأنها ستكون أكبر خطأ ترتكبه أميركا في مجال السياسة الخارجية منذ حرب فيتنام. وهناك أيضاً السيناتور"براون باك" المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية، وأعضاء "جمهوريون" آخرون في مجلس "الشيوخ"، كانوا من مؤيدي الرئيس بوش كالسيناتور "نورم كولمان" من (مينسوتا)، وجورج فونوفيتش (أوهايو)، أعربوا هم أيضاً عن آراء مشابهة. ثمة مأساة تتجسد هنا على عدة مستويات: فالحرب لم يكن من الواجب خوضها من الأساس، كما أن ما فاقم خطأ الولايات المتحدة هو أنها قد دخلتها دون أن تكون لديها خطة، ودون أن يكون لديها أي فهم لعواقبها الحتمية. ونظراً لأننا نحن الذين أوجدنا الورطة العراقية، فإن الرئيس على حق عندما يلمح إلى أننا سنُجرم عندما نغادر العراق الآن ونترك العراقيين يواجهون مصيراً مجهولاً، حيث يمكن للحرب الطائفية المحتدمة حالياً أن تتصاعد وتؤدي إلى تمزيق البلد ما سينتهي بدوره إلى انتشار التطرف العنيف، مما يؤدي إلى المزيد من التشجيع لإيران وحلفائنا في المنطقة على التدخل هناك، وهو ما سيعرض مصالحنا في المنطقة لخطر داهم. هذا هو السبب الذي يدعوني للقول إن مجموعة "بيكر- هاملتون" كانت في غاية الأهمية، لأنها قدمت للولايات المتحدة طوق إنقاذ، ممثلاً في توصيات مقدمة من الحزبين للتعامل مع الوضع في العراق. وقيام الرئيس بوش بانتقاء ما يروق له من تلك التوصيات المدرجة وترك ما لا يروق له، يهدد ليس فقط بتصعيد الحرب، ولكن تصعيد المعارضة السياسية لها داخل أميركا أيضاً. حرب فيتنام قدمت لنا درساً، مفاده أن الحروب التي تشنها أميركا لا يمكن كسبها أو الاستمرار فيها، من دون دعم الشعب الأميركي. وبوش بعجزه عن استيعاب هذا الدرس، يعرض للخطر ليس العراق فقط، ولكن قيادة أميركا للعالم، واستقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها.