مع نهاية الحملة التي أطلقتها شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة "دو" لحجز الأرقام، وبكل ما تضمنته هذه الحملة من ملابسات، فقد أعلن الرئيس التنفيذي للشركة صراحة عن "حرب أسعار" مقبلة مع "اتصالات"، ما يثير تساؤلات عديدة تبدأ بفلسفة إطلاق حملة لحجز الأرقام قبل أن تطلق الخدمات، أو يكشف عن خطوطها العريضة، وبدلاً من ذلك ركزت الشركة الجديدة في حملاتها الترويجية كثيراً على الأرقام المميزة بدلاً من الخدمات المميزة. إن هذه "الحرب" التي تبشر بها الشركة الجديدة داخل الدائرة الإماراتية الضيقة نسبياً، تضر بالأطراف كافة، بما في ذلك شركات الاتصالات نفسها وكذلك العملاء، وقبل ذلك كله تشكل هدراً لموارد الدولة، وخطراً داهماً لأحد أهم القطاعات التي تعوِّل عليها الإمارات في المرحلة المقبلة، في خضم العديد من التحالفات والاندماجات التي بدأت تتبلور مؤخراً بين شركات الاتصالات الإقليمية. وإذا كانت هذه هي البداية للمشغل الثاني للاتصالات في دولة الإمارات، فمن حق الجميع أن يتساءل عن الدور الحقيقي الذي يمكن أن تضيفه هذه الشركة إلى سوق الاتصالات في الدولة، ومدى واقعية الطموحات التي ظلت تراود الجميع طيلة الفترة السابقة، بأن نقلة نوعية جديدة في مجال الاتصالات ستشهدها دولة الإمارات، وأن دخول الشركة الجديدة إلى السوق سيدفع قطاع الاتصالات باتجاه استراتيجيات "مضادة" لحالة التشبع التي وصل إليها السوق المحلي، من خلال سد العديد من الثغرات التي يعانيها سوق الاتصالات وتوسيع عملياته رأسياً وأفقياً للتكيف مع تغيرات سلوك العملاء وديناميكية السوق، بما يجعل شركات الاتصالات المحلية في النهاية تكمّل بعضها بعضاً، وتقدم للمستهلك خدمات مميزة وبتكلفة منخفضة. إن التنافس الحُر الذي يؤدي في النهاية إلى رفع كفاءة قطاع الاتصالات في الدولة، والارتقاء بنوعية منتجاته وخدمات العملاء، هما الهدف الرئيسي الذي سمحت من أجله دولة الإمارات دخول لاعب جديد في السوق المحلي. كما أن خفض أسعار هذه الخدمات كإجراء تنظيمي تقتضيه المصلحة الاقتصادية أو كنتاج مباشر للتنافس الحر، أصبح أمراً ملحّاً لا يقبل التأجيل، إلا أن "حرب الأسعار" التي يبشر بها هذا اللاعب الجديد "دو" ليست من مصلحة المستهلك بالتأكيد، كما أنها ليست في مصلحة الاقتصاد القومي، لأن عملية حجز الأرقام التي تقوم بها "دو" لا تعدو كونها عملية لاحتكار العملاء من خلال أخذ مبالغ نقدية منهم، تصل إلى ألفي درهم للرقم الواحد، قبل أن يعرف العميل كم سيدفع بعد ذلك عند الاشتراك في خدمات الشركة التي لا تزال مجهولة الهوية والتكلفة حتى اللحظة، بينما تطرح هذه الحيثية تحديداً موقف هيئة تنظيم الاتصالات، خاصة أن هذه الهيئة التي يجب أن تتمتع بقدر كبير جداً من الحياد والموضوعية هي نفسها التي أصرت على إيقاف حملة "اتصالات" الأخيرة لاحتكار العملاء أيضاً ولكن مقابل دفع مبالغ نقدية لهم، وليس العكس، إذ إن عرض "اتصالات" يمنح العميل مبلغاً محدداً، هو قيمة اشتراكه السنوي في الخدمة، مقابل احتكاره، بينما تجبر الشركة الجديدة "دو" هذا العميل على دفع أضعاف هذا المبلغ ليكون محتكراً لديها، ومن دون أن يعرف شيئاً عن رسوم الاشتراك وأسعار الخدمات وطرق الدفع وغيرها، وبعد كل ذلك فإن المبلغ غير قابل للاسترجاع إلا إذا لم يحصل العميل على الرقم الذي طلبه! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية