تطلب الأمر من الحكومة الصومالية والقوات الإثيوبية أقل من أسبوعين للإطاحة بالإسلاميين، عناصر "اتحاد المحاكم الإسلامية"، من السلطة وطردهم من العاصمة مقديشو. غير أن إبقاءهم خارج الحكم، أو الحفاظ على السلام في الصومال وسط ظهور ما يعتبره البعض حركة تمرد على الطراز العراقي، يظل المهمة الأصعب. وإذا كانت الدول الغربية ستتولى دفع الفاتورة، إلا أن المهمة الأخطر تقع على عاتق الدول الأفريقية التي ستشارك في إطار قوات حفظ السلام مثل أوغندا ونيجيريا وجنوب أفريقيا في محاولتها لإحلال السلام في بلد لم يعرفه طيلة الخمس عشرة سنة الأخيرة. ومن جهته أعلن مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الماضي عن دعمه لنشر سريع لقوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال. وقد لا يزعج كثيراً الدول الغربية إرسال قوات أفريقية إلى هذا البلد لحفظ السلام فيه وإبقائه بمنأى عن "الإسلاميين"، لكن الأمر يثير العديد من التساؤلات في البلدان الأفريقية الفقيرة مثل أوغندا ونيجيريا التي تشهد مشاكلها الخاصة من البطالة المتفاقمة والأمية المستفحلة إلى الصراعات المحلية المتواصلة. وبينما يرى البعض في نشر قوات أفريقية في الصومال فرصة لأفريقيا لحل مشاكلها بنفسها، إلا أن فشل الاتحاد الأفريقي في نشر قواته لتوفير الأمن في دارفور لا يبشر بالخير. "أليكس دي وال"، خبير أفريقي في مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية بنيويورك، يقول في هذا الصدد: "إن ما تعلمناه من خلال تجربتنا عبر السنين أنه لكي تنجح مهام قوات حفظ السلام، لابد من أن يكون هناك سلام أولاً في البلد المعني". ويضيف "دي وال" قائلاً: "إن الاتحاد الأفريقي يشرف على العديد من مهام حفظ السلام التي تنطوي على خطورة كبيرة، والواقع أن القوى الدولية تضغط على الاتحاد الأفريقي للتدخل دون أن تدرك المشاكل المترتبة عن ذلك وأقلها الدخول في حرب مدنية على غرار تلك التي خاضتها القوات الأميركية في 1993 ضد الجنرال عيديد وانتهت بانسحاب هذه القوات من الصومال". وتشير التقارير القادمة من الصومال إلى أن الوضع آخذ في التدهور مع دخول القوات الحكومية والقوات الإثيوبية في اشتباكات مسلحة مع عناصر "المحاكم الإسلامية". ويأتي تصاعد مستوى العنف بعد أيام من قيام الولايات المتحدة بضربة جوية استهدفت القضاء على عناصر مشتبه في انتمائها إلى تنظيم "القاعدة" بجنوب الصومال. غير أن التقارير الإعلامية الصادرة في مطلع الأسبوع الجاري التي كانت قد أشارت إلى أن الغارات الجوية أسفرت عن مقتل "فضل عبدالله محمد"، وهو قيادي في تنظيم "القاعدة" وأحد المسؤولين عن الاعتداء على السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، جرى تكذيبها لاحقاً. ورغم المخاوف التي تبديها الدول الأفريقية من إرسال قواتها إلى الصومال أعلن الرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني" عن خططه لإرسال كتيبة تتكون من 700 جندي أوغندي على الأقل إلى الصومال بعدما خضعت لتدريبات خاصة، وتم تجهيزها للقيام بالمهمة. وإلى غاية اللحظة يعتبر "موسيفيني" القائد الأفريقي الوحيد الذي وافق على إرسال قواته إلى الصومال. أما إثيوبيا التي أرسلت قواتها المسلحة للقتال جنباً إلى جنب مع قوات الحكومة الصومالية، فقد تعهدت بسحب قواتها في غضون أسابيع. يذكر أن التدخل الإثيوبي باركته دول "الإيغاد" الأفريقية شريطة أن تسحب الحكومة الإثيوبية قواتها دون إبطاء. بيد أن الحماس الذي أبداه الرئيس الأوغندي "موسيفيني" لا ينفي قلق الدول الأفريقية الأخرى من المشاركة بقواتها في الصراع الصومالي. وفي هذا الصدد، صرح "أورييم أوكيلو" وزير الدولة للشؤون الخارجية في أوغندا قائلاً: "إننا نريد أن نعرف الهدف من تواجدنا في الصومال، والفترة الزمنية التي ستقضيها قواتنا هناك، بالإضافة إلى الطريقة التي سننسحب بها". هذا ويعتقد العديد من الأوغنديين أن على بلادهم البقاء بعيداً عن مشاكل الصومال، وأن تهتم أكثر بحل الصراعات الداخلية أولاً. "فينسنت أوبورا" أحد مواطني أوغندا يتساءل في هذا الإطار: "ألا تكفي عشرون عاماً من الحرب في أوغندا لتجعلنا نهتم ببناء السلام وتعزيزه في بلادنا أولاً". لكن الجهود الدبلوماسية التي انخرطت فيها الولايات المتحدة لدى بعض الدول الأفريقية أدت إلى تليين مواقف تلك الدول. فقد وافقت واشنطن على منح 16 مليون دولار لدعم القوات الأفريقية المنتشرة في الصومال، وذلك بتأييد كلي من الأمم المتحدة. كما أخبرت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس نظيرها الأوغندي في الشهر الماضي بواشنطن بأنها تعتقد أن "المحاكم الإسلامية" يدعمها تنظيم "القاعدة". وأكدت المتحدثة باسم الرئيس الأوغندي أن الرئيس الأميركي أجرى مكالمة هاتفية مع "موسيفيني" يحثه فيها على التدخل في الصومال. لكن وكما يقول الخبير الأفريقي "وال" فإن الحافز وراء تدخل أوغندا "يرجع إلى دوافع سياسية منها أن أوغندا تريد الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، لاسيما وأن سجل موسيفيني في مجال حقوق الإنسان ليس مشرفاً، فضلاً عن تخوفه من صعود الإسلاميين في دول مجاورة. لذا يرغب الأوغنديون في التأكد من أنهم جزء من ائتلاف إقليمي يضم نيجيريا وإثيوبيا لمنع صعود الإسلاميين". وبخصوص نيجيريا يستطرد الخبير الأفريقي "دي وال" قائلاً إنها أيضاً تملك أسباب عملية تدفعها للمشاركة في قوات حفظ السلام بالصومال، إذ يمكن لنيجيريا في حال انخراطها في الصومال أن تتجنب الانتقادات الأميركية في مجال تزوير الانتخابات والفساد". غير أن "جون برينديرجات"، مستشار بارز بـ"المجموعة الدولية للأزمات" في واشنطن قال معلقاً على الجهود الأميركية لإقناع الدول الأفريقية بإرسال قواتها إلى الصومال: "إن الاستراتيجية الجديدة التي تسعى إلى إرغام الدول الأفريقية الفقيرة على تحمل مهمة حفظ السلام في الصومال تمثل فشلاً أخلاقياً للأمم المتحدة والدول الغنية في الغرب على حد سواء". سكوت بلودولف وأليكسيس أوكيو مراسلا "كريستيان ساينس مونيتور" في جنوب أفريقيا وأوغندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"