ما الذي يجمع يا ترى بين كل من نيويورك، هاواي، كنساس، كاليفورنيا، المكسيك، فرنسا، صربيا، كوريا الجنوبية، مصر، أستراليا، روسيا، ورواندا معاً؟! ليس من شيء البتة في واقع الأمر، عدا عن أن تلك المدن والبلدان جميعاً، باتت توفر اليوم مقرات ومراكز لنشر اللغة والثقافة الصينية، بسرعة وكفاءة عالية، تحمل البصمات المميزة لأداء الحكومة الصينية. والملاحظ أنه تم إنشاء نحو 130 معهداً من معاهد "كونفوشيوس" لتعلم اللغة الصينية في 50 دولة من دول العالم خلال السنوات القليلة الماضية. وفي الولايات المتحدة الأميركية وحدها، أنشئ ما يزيد على العشرة مراكز، بينما يجري إنشاء المزيد منها. فما الغرض والدوافع وراء هذا الانتشار الواسع النطاق للمراكز هذه؟ يجيب عن السؤال المسؤولون الصينيون بالقول إن القصد منها هو نشر اللغة الصينية وتعزيز علاقات الصين بغيرها من الأمم والشعوب عالمياً. وعلى خلفية نهوض الصين كقوة اقتصادية عملاقة، فقد أبدى الكثير من الأميركيين شغفاً ورغبة في تعلم اللغة الصينية، إلا أن البعض يبدي قلقاً وتساؤلاً حول دوافع الحكومة الصينية وراء هذا الانتشار اللغوي. جاء على لسان أحد المسؤولين الصينيين في القنصلية الصينية بسان فرانسيسكو قوله: "نحن نريد أن نلبي تزايد الطلب على تعلم لغتنا". أما إدارة "هانبان" وهي الإدارة المشرفة على برامج اللغات الأجنبية بوزارة التعليم الصينية، فعبرت في موقعها الإلكتروني الخاص بها، عن أملها في أن يسهم انتشار اللغة الصينية، في إقامة علاقات ودية مع مختلف شعوب العالم وبلدانه. والشاهد أن هذا الانتشار الملحوظ لمعاهد "كونفوشيوس" لتعلم اللغة الصينية، ليس سوى واحد فحسب بين المبادرات الكبيرة التي أطلقتها الحكومة الصينية خلال السنوات القليلة الماضية، في هذا المنحى. ولذلك فإن معاهد اللغة والثقافة الصينية، وكذلك المساعدات الأجنبية المقدمة لعدد من الدول، فضلاً عن الأولمبياد والبرامج الرياضية، إنما تسهم جميعها كأدوات لـ"القوة الناعمة" في جذب المزيد من أنظار شعوب العالم ودوله، إلى الصين باعتبارها قوة عالمية صاعدة، وليس لإخافة تلك الشعوب والبلدان، حسبما يرى المحللون. ومن هؤلاء من يعتقد أن للصينيين آمالاً وتوقعات جد كبيرة من هذه الجهود التي يبذلونها. ذلك هو ما أكده "مايكل ليفاين"، مدير الجمعية الآسيوية، وهي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك، وتهدف إلى تعزيز علاقات الصداقة الأميركية- الصينية. ومضى "ليفاين" ليبين مدى اندفاع الصينيين وراء أهدافهم تلك، مع العلم بأن نشر لغتهم، يأتي في مقدمتها. يشار إلى أن المعاهد المذكورة، عادة ما تقوم على مبدأ الشراكة مع المؤسسات القائمة، وعادة ما تنتمي لإحدى الجامعات، كما هو الحال هنا في أميركا. والذي يحدث هو أن المؤسسة الشريكة في الصين، تتولى ابتعاث المعلمين الذين يتولون تدريس اللغة، في حين تتكفل المؤسسة المضيفة بتوفير القاعات والمتطلبات الأخرى المساعدة في العملية التعليمية. كما تتكفل الصين أيضاً بتقديم المنح المالية للمؤسسات الشريكة، وهي منح تصل إلى مئات آلاف الدولارات في الكثير من الأحيان. وليس ذلك فحسب، بل ترسل مؤسسة "هابان" مندوبيها إلى المعاهد والمراكز اللغوية المختلفة خارج الصين، بغية التصديق الرسمي عليها. ولكن الذي يلي تلك الخطوات الأولى لإنشاء هذه المراكز، هو أنه عادة ما يتم إهمالها، فلا يبقى فيها سوى عدد ضئيل من الكادر البشري اللازم لتعليم اللغة، من الذين ليست لديهم أدنى فكرة عن كيفية استمرار هذه المراكز في أداء مهامها التي أنشئت من أجلها. لذلك ومنذ افتتاح أول برنامج جامعي، بجامعة "ميريلاند" قبل عامين، لم يلتحق به سوى ما يزيد على العشرة طلاب بقليل. أما المعلمان اللذان وعدت الصين بإرسالهما للبرنامج، فلم يصلا إلى أميركا إلا في الشهر الماضي. إلى ذلك ذكرت "ربيكا ماكجنيس" الإدارية المسؤولة عن البرنامج، أن الأمر استغرق عاماً كاملاً لكي يبدأ البرنامج عملياً، وكان تحريك ماكينته العملاقة، معضلة كبيرة أمامنا طوال الفترة المذكورة. ومهما يكن، فإنه مما لاشك فيه أن الطلب على تعلم اللغة الصينية، متصاعد باستمرار. وتحتل الصين المرتبة العالمية الرابعة من الناحية الاقتصادية. وبما أن نمو اقتصادها يسجل معدلاً سنوياً قدره 9.5 في المئة، وكونه من أكبر الاقتصادات العالمية جذباً واستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فلا غرو إن قدرت وزارة التعليم الصينية، أن يبلغ عدد دارسي اللغة الصينية بحلول عام 2010، نحواً من مليون دارس على نطاق العالم بأسره. أما الفصلان الدراسيان القائمان حالياً في جامعة "ميريلاند" فقد ضما طلاباً مهنيين، زار بعضهم الصين وأبدى رغبة أكيدة في تعلم اللغة، بينما قال آخرون إنهم يرغبونها لأغراض عملية مهنية. إلى ذلك يعمل معهد جامعة "ميتشجان" على تطوير وسائل ومواد التعليم الرقمي، في حين بادر المعهد الصيني بجامعة "سان فرانسسكو" إلى إنشاء فصلين دراسيين لتعليم تلاميذ المرحلة الابتدائية. وهناك معهد ثالث في نيويورك، وقد قطع شوطاً بعيداً في مساعدة 16 من الأساتذة على نيل شهادة تدريس اللغة الصينية، ويأمل في رفع ذلك العدد إلى ما يتراوح بين 30 إلى 40 معلماً في العام المقبل. تضاف إلى هذا تجربة معهد "كنساس" الذي شرع في تقديم دورات لتعليم اللغة الصينية في مواقع ومرافق مختلف الشركات والمؤسسات المحلية الراغبة في تعليم بعض أفرادها اللغة. على أنه يلزم القول إن استخدام اللغة كأداة ووسيلة لرسم انطباع إيجابي عن الصين، إنما هو هدف سياسي في الأساس، كما تقول "إلين جلبرت"، مديرة "مركز الدراسات الشرق آسيوية" بجامعة "كنساس". وتمضي "إلين" مستطردة في الحديث: "إن ذلك أمر لا يمكن الالتفاف حوله بأي حال من الأحوال. وهذه الدوافع السياسية، هي ما يجب الانتباه إليه". كارول هوانج صحفية أميركية متخصصة في الشؤون الصينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"