استمعت إلى خطاب الرئيس جورج بوش، والخاص بزيادة عدد قواتنا في العراق، وفيما يلي ألخص ردود فعلي ونصائحي التي أسديها للرئيس. أما ردة فعلي على ما سمعت، فأعبر عنها مستلهماً ما جاء في كتاب "بيل ماهر" عن الحرب على الإرهابيين: "اجعلهم يقاتلون جميعاً". ولذلك تراني أقول: سيدي الرئيس... هل تريد تصعيداً للحرب؟ حسناً فأنا معك. غير أنني لن أنحاز إلى صفك إلا بشرط واحد أساسي، هو تسجيل كافة أفراد الشعب الأميركي، وإدراجهم مرة واحدة وإلى الأبد، في هذا المجهود الحربي، وأن تكف عن تحميل الوزر كله لنحو 130 ألف عائلة أميركية، إضافة إلى عائلات 20 ألفاً من الجنود الإضافيين، الذين تقرر إرسالهم إلى محرقة العراق. ثم إنني أوافق على هذا التصعيد، شريطة أن تجعل منا جميعاً أمة من المحاربين. ولا يعني ذلك شيئاً آخر، سوى انتهاجنا سياسة طاقة حقيقية مغايرة لما نتبناه الآن، أي أن نفرض ضريبة على استهلاكنا لوقود النفط، يكون في مقدورها وضع حد لإدماننا للطاقة الأحفورية، وتجفف منابع تدفق دولاراتنا النفطية إلى أيدي جميع اللاعبين السيئين والإرهابيين، بما يدفع أميركا إلى تبوء مركز الصدارة العالمية في مجال الحفاظ على الطاقة. لكن عليك أن تكف سيدي الرئيس عن الضحك على عقولنا باجترار القول الممجوج إن "هذا هو الصراع الآيديولوجي الحاسم لعصرنا بأكمله"، وأنت لا تفعل شيئاً سوى وضع الوزر الجسيم لهذه الحرب الحاسمة، على عاتق 150 ألف جندي من جنودنا فحسب. ورغم أني أوافقك الموقف والرأي، في ما تضع من أهمية حاسمة لمواجهة جماعات العنف الإسلامي المتطرفة، عن طريق السعي لتوجيه العراق وغيره من بلدان العالم العربي والإسلامي، نحو خطى التقدم والاستنارة، فإن الطريقة التي خضت بها هذه الحرب لجد مثيرة للهزء والاستهجان. وكنتيجة لاعتمادك طوال السنوات الماضية من عمر الحرب، على استدعاء المجهود الحربي وحده، سعياً منك لتحقيق أهدافك السامية هناك، فقد نشأت فجوة سياسية عميقة. إذ تمرد المسلمون السُّنة على الرضوخ لحكم الطائفة الشيعية لبلادهم، واتخذوا من العنف أداة للتعبير عن هذا الرفض. وبالنتيجة، فقد اندلعت في عراق اليوم خمس حروب في جبهات متعددة: المسلمون السُّنة ضد الشيعة، والاثنان معاً ضد "المحتل" الأجنبي الأميركي، وتنظيم "القاعدة" ضد أميركا، السفاحون الثيوقراطيون الشيعة ضد إخوتهم العاديين في الدين والمذهب الطائفي. وأخيراً هناك التكتل الإيراني السوري والأتوقراطي العربي في مجموعه، ضد أي نظام ديمقراطي عراقي، يمكن له أن يقدم نموذجاً ديمقراطياً يحتذى، نابتاً من جذور التربة السياسية العراقية وحدها. وبذلك أصل إلى ملاحظتي على خطابك سيدي الرئيس. وألخصها في أن اعتقادك الثابت بأن الحرب الوحيدة التي تدور في العراق اليوم، هي بين الأخيار والأشرار، إنما هو اعتقاد مثير للسخرية والضحك. فالشاهد أنه ليس من مركز في عراق اليوم. وما أن يغيب هذا المركز، وتبادر بإرسال مزيد من القوات إلى دولة كهذه، فإنه لا مناص لك من أن ينتهي بك الحال إلى الانحياز لأحد أطراف النزاع. ولك أن تمعن النظر ملياً إلى ما حدث في "لبنان عام 1982". ثم هاك نصيحتي في الختام: في ظل استعار نيران النزاع الطائفي الدائر في العراق، فإن السبيل الوحيد الذي يمكن أن تثمر فيه زيادة عدد القوات عن استقرار وقدر معقول من استتباب الأمن، هو إضافة عنصرين لا يزالان غائبين عن هذه الخطة، ألا وهما تحديد موعد زمني، وحداً أدنى لأسعار النفط. ذلك أنه يتعين عليك أن تقول للعراقيين، إن هذه الزيادة في عدد القوات، إنما تعني إعطاءهم آخر فرصة لعقد مصالحة وطنية فيما بينهم، أو أننا سننسحب من بلادهم بحلول الأول من ديسمبر المقبل. وفي الوقت ذاته، لابد أن يدرك الأميركيون فرضك لسعر 45 دولاراً فحسب لبرميل النفط المستورد بالنسبة للمستثمرين في هذا المجال، ما يدفعهم للبحث عن استثمار أكثر أمناً في مصادر الطاقة البديلة، دون أن يقعوا تحت طائلة تهديد قطع منظمة "أوبك" إمداداتها عنهم. ورغم الآثار السلبية التي سيخلفها الانسحاب من العراق -في حال اضطرارنا إليه قبل إكمال ما بدأناه- فإن علينا ألا ننسى مسؤوليتنا الأخلاقية إزاء حلفائنا فيه. على أن المتضرر من الانسحاب ليس حلفاءنا وحدهم فحسب، بل أيضاً كثير من اللاعبين السيئين. فعندها سيتحتم عليهم خوض حربهم مع بعضهم بعضاً. وفي هذه الحالة، يصح القول أيضاً إن سوريا وإيران ستفوزان بهذه الحرب. بيد أنه تتعين عليهما إدارة فوضاها وعبثها كذلك. ومن هنا أعود للقول، إما أن نخوض هذه الحرب جميعاً، سيدي الرئيس، أو أن ننفض أيدينا منها جملة وتفصيلاً. وإذا ما تحقق لنا استقلالنا الكامل في مجال الطاقة، فإن ذلك لن يؤدي إلى خفض أسعار النفط العالمي، ولا إلى الحيلولة دون تحويل الإسلام على يد الإرهابيين والمتطرفين إلى أداة للعنف واللاتسامح فحسب، وإنما فوق ذلك وقبله، سيرغم العالم العربي على السير في خطى الإصلاح السياسي، بما فيه العراق. بل إن في تضحيتنا الجماعية من أجل الفوز بالحرب، ما قد يدفع بقية شعوب العالم إلى دعمنا ومؤازرتنا مجدداً. وما لم يسدد العراقيون ثمن البيع بالتجزئة لسلوكهم السياسي الحالي، بينما نسدد نحن ثمن فاتورة التجزئة لسلوكنا النفطي، فليس من أمل في الفوز، ولا من قيمة لإرسال مزيد من جنودنا إلى العراق. توماس فريدمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"