عند الحكم على نتائج استخدام أدوات السياسة الخارجية، فإن القياس يجب أن يكون ذا شقين، هما المكاسب التي تُجنى والخسائر التي يتم تحملها. وهنا فإن الخسائر يجب أن تكون جزءاً مهماً في عملية الحسبة، ولكن الدارج في حقل العلاقات الدولية هو أن نجاح السياسة الخارجية يتم قياسه على أساس مجرد من تحقيق الأهداف دون الرجوع إلى الخسائر المصاحبة. أدوات تنفيذ السياسة الخارجية المستخدمة في عصرنا الحديث، هي الدبلوماسية والوسائل العسكرية وفرض العقوبات الاقتصادية، فعلى سبيل المثال، لو شئنا أن نطرح تصوراً لماهية العقوبات الناجحة التي يمكن أن تُفرض، فإن من الضروري معرفة المعطيات اللازمة لكي تصبح تلك العقوبات ناجحة. ويعتقد أن متخذي قرارات السياسة الخارجية شغوفون بتحديد الأوضاع اللازمة التي يمكن ضمها للعقوبات الاقتصادية بالتحديد أن تؤدي إلى إحداث تغيير في السياسة من قبل الدولة التي تفرض عليها. وهنا فإن تركيز فارض العقوبات يتمحور حول ما إذا كانت العقوبات ستمكن فارضها من تحقيق أهدافه في تغيير سلوك الدول محل العقوبات، كما هو الأمر اليوم بالنسبة لموقف المجتمع الدولي من دارفور، أو موقف الولايات المتحدة من امتلاك كوريا الشمالية سلاحاً نووياً. إنزال الخسائر بالدولة المستهدفة بسبب عدم انصياعها لمحاولات التأثير عليها عادة ما يتم استخدامه كوسيلة لقياس النجاح. ولو افترضنا ضمناً بقاء العوامل الأخرى ثابتة، فإنه كلما زادت خسائر الدولة المستهدفة التي تسبب فيها استخدام وسيلة من وسائل السياسة الخارجية كلما كانت تلك الوسيلة أكثر نجاحاً. تكبد الخسائر في مقابل عدم الرضوخ يلتبس أحياناً مع الفشل، لذلك فإن بعض منظِّري السياسة الخارجية يعارضون وجهة النظر التي تعامل التكاليف التي تخصص لمواجهة عدم رضوخ الدولة الخصم كمقياس للنجاح. ويعززون معارضتهم تلك بالقول إن الدولة المستهدفة بالعقوبات التي ترفض الرضوخ ربما تتكبَّد تكاليف باهظة لا يمكنها أن تحول الفشل إلى نجاح، ويقابل ذلك أن أهداف السياسة الخارجية ليست جميعها بنفس الأهمية، فكسب حرب تحرير الكويت، وكسب إطلاق رهينة مختطفة في العراق ليسا بنجاحين متساويين. القيام بتقييم الإنجازات بشكل متساوٍ مع وجود اختلاف في النجاح الكلي يعتبر أمراً مضللاً، ومن طبيعة الأمر القول إنه كلما كبر حجم المسائل كلما أصبحت مهمة الإنجازات كبيرة، وأصبحت محاولة التأثير على الدولة المستهدفة أكبر نجاحاً. ويقابل ذلك أنه كلما زاد شأن الدولة المستهدفة كلما أصبح اتخاذ الإجراء ضدها أكثر صعوبة. المقصود هنا، هو أن درجة صغيرة من تحقيق الهدف بالنسبة لمهمة صعبة، تمثل نجاحاً أهم من إنجاز أكبر على صعيد مهمة سهلة، فردع كوريا الشمالية عن طريق منعها من توجيه صواريخ نووية إلى الولايات المتحدة يعتبر مهمة سهلة بسبب قدرات الولايات المتحدة العالية في التصدي للصواريخ الباليستية. وبالمقارنة فإن إجبار حكومة بيونج يانج على القيام بتغيير الطرق التي تحكم بها الشعب يعتبر مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. ومن جانب آخر يبدو أن مقاومة إغراء استدلال النتائج من تقديرات النجاح الماضية والمستقبلية لأداة من أدوات رسم السياسة الخارجية أمر غير ممكن. فلو قلنا مثلاً إن صناع السياسة الخارجية مدركون أنه من النادر أن يكون للعقوبات الاقتصادية تأثير كافٍ، فيجب عندئذ فرض العقوبات في الأحوال التي تتواجد فيها فرص معقولة لتحقيق نتائج إيجابية. المعرفة الخاصة بإمكانية نجاح أداة من أدوات السياسة الخارجية لا توفر هادياً مفيداً لصناع السياسة، لكي يقرروا بالفعل الإقدام على استخدامها، لذلك فإن التحليل المقارن الخاص بالنجاح المنشود لأدوات بديلة هو وحده الذي يوفر المعرفة ذات العلاقة بصنع السياسة الخارجية. وقبل الاتفاق مع مقولة إن العقوبات الاقتصادية أداة ضعيفة لإدارة السياسة الخارجية فإن من الضروري الأخذ بخيارات سياسية بديلة لها. فعلى سبيل المثال، بغض النظر عن القدر الذي يُكرِّه في المرء التعامل مع الإرهابيين وخاطفي الرهائن، فإن الأمر يبدو أكثر منطقية بأن التفاوض المباشر معهم في سبيل إنقاذ رأس رهينة من القطع عوضاً عن المكابرة بالقول إن حكومة دولة ما ترفض التعامل معهم بشكل مطلق. خلاصة القول هي أنه توجد حاجة إلى تقييم مقارن لكل من خسائر وأرباح بدائل استخدام وسائل السياسة الخارجية، فإذا تم فرض خيار سياسي مباشر بطريقة غير عقلانية يكون عندئذ قد تم فرضه من بين عدة احتمالات بعضها ذو خسائر قليلة ونتائج متواضعة، وبعضها الآخر ذو تكاليف عالية ونتائج كبيرة، ولكي يتم استبدال أحد تلك الاحتمالات باحتمال ثالث، فإن الأخير قد يتضمن أحد الاحتمالات السابقة بالإضافة إلى النشاطات البديلة التي قد تصبح ممكنة بواسطة فرق التكلفة بين الاحتمالين الأول والثاني. وإذا تم القيام بذلك فإن الاختيار الأول يحول نفسه إلى وسيلة مقارنة للنتائج التي يمكن تحقيقها. وعليه فإن السياسة الخارجية لعبة حاسمة وتحتاج إلى دهاء سياسي لكي يتم لعبها بنجاح تتوازن فيه الخسائر والأرباح، يمارسه أشخاص مؤهلون وذوو كفاءة عالية وليس الهواة.