يملك المجتمع الدولي، وهو الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سيفاً موجهاً ضد نظام الحكم الحالي في السودان، سيف يُخرج من غمده من حين لآخر كواحد من وسائل الضغط، ثم يعاد إلى غمده... إنه قرار تقديم عدد من كبار المسؤولين السودانيين للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. فالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، "لويس مورينو أوكامبو"، سيأتي إلى السودان منتصف الشهر الجاري للنظر في أوضاع إقليم دارفور، وفي ماضيه وحاضره، ولمعرفة ما إذا كان قد حان الوقت لتقديم 51 مسؤولاً سودانياً للمحاكمة الدولية، أم أن السودان اتخذ من الإجراءات بحق هؤلاء ما يكفي. لقد مر وقت طويل منذ أن رأت المحكمة الدولية ومجلس الأمن أنه لابد من عقاب هؤلاء النفر على ما ارتكبوا من جرائم في دارفور خلال الفترة من 2003 وحتى العام الماضي. لقد أجرى فريق دولي التحقيق في أحداث دارفور، وخلص إلى وقوع جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وصدر على ضوء ذلك قرار من مجلس الأمن بإحالة القضية للمحكمة الدولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. إن المدعي العام الجنائي الدولي، على قناعة تامة، فيما يبدو، بأن حكومة السودان لم تنفذ ما كان متوقعاً منها لتفادي المحاكمة الدولية، بإجراء محاكمات بديلة داخل السودان، على أن تكون واضحة ونزيهة وتشمل كل من وقع عليهم الاتهام. وهو يقوم أيضاً بهذه الزيارة لمزيد من التأكد بشأن اعتقال 14 شخصاً متهمين في جرائم وقعت خلال تلك الفترة. وإذا عدنا لواقع الحال فإن ما حدث داخل السودان هو أن الحكومة قدمت عدداً من المتهمين للمحاكمة وتمت معاقبة بعضهم ولكنهم كلهم من المجرمين الصغار وممن ليسوا في موضع المسؤولية. وحقاً كما قال المدعي العام في تقرير له لمجلس الأمن، في يونيو الماضي، فإن المحاكم السودانية لا تنظر في أي من القضايا التي تركز عليها المحكمة الجنائية الدولية في بحثها عمن يتحملون أكبر مسؤولية في تلك الجرائم. والجرائم المشار إليها متنوعة؛ فهي تبدأ في مستوى الأمر باستخدام القوة العسكرية، ومدى ذلك الاستخدام، وتتدرج حتى تصل مستوى الجرائم الجنائية التي مورست في الإقليم خلال تلك الأعوام. أما من هم المتهمون الحقيقيون الذين تسعى المحكمة الجنائية الدولية لتقديمهم للعدالة، وعددهم 51 شخصاً، فإن أية جهة مسؤولة لم تعلن أسماء أو مناصب أولئك المتهمين، ولكن تسريبات أكدت أن من بينهم مسؤولين كباراً في جهاز الدولة، وبعضهم يحتل مناصب قيادية عليا، ولهذا فإن إعلان أسماء المتهمين واعتقالهم... مهمة معقدة في نظر المسؤولين بالمحكمة الدولية. إن حكومة السودان أعلنت أكثر من مرة أنها لن تسمح بمعاقبة أي سوداني خارج السودان، وقد أقسم الرئيس عمر حسن البشير، أنه لن يسمح بمحاكمة سوداني دولياً مهما كان الأمر. ولكن ما أكثر القضايا التي قالت حكومة السودان عنها "لا"، ثم عادت وقبلت بها مرغمة. إن زيارة المدعي العام الدولي للخرطوم منتصف هذا الشهر، ستكون حاسمة لجهة إجراء أو عدم إجراء محاكمة جنائية دولية حول دارفور. محجوب عثمان