الإعلان عن استراتيجية أميركية جديدة في العراق يعني إما أن القديم قد انتهى عمره الافتراضي، أو أنه فشل في تحقيق أهدافه، والواقع أن الشيء الوحيد الأكيد الذي تحقق للعراق والمنطقة هو التخلص من طاغية لم يشهد له التاريخ مثيلاً، ولكن عدا عن ذلك فإن الأمور سارت من سيئ إلى أسوأ في العراق وفي محيطه. كثر المحللون والمنظِّرون لتفسير أسباب الفشل الأميركي في العراق، وأجمع المفلسون العرب على نظرية دونكيشوتية مفادها أن أميركا انهزمت والسلام، وليس مهماً ما يجب أن يجري بعد هزيمة أميركا. ولكن كيف فشل مشروع أميركا في العراق؟ أو بالأصح: كيف أفشلت أميركا مشروعها للتنمية والديمقراطية والاستقرار في العراق؟ هزيمة أميركا بالنسبة لإيران وسوريا نصر لهما في حد ذاته، ولا ألومهما، فأميركا بغباء "المحافظين الجدد" -الذين أصبحوا قدماء بعد رحيلهم وهزيمة تفكيرهم- هددوا بغزوهما بعد غزو صدام وإسقاط نظاميهما طالبين من طهران ودمشق أن تساعداهم على إنجاح مشروعهم في العراق كي يتفرغوا بعد ذلك لغزوهما! "ما أن يسقط النظام، حتى تعم الديمقراطية"، وهمٌ سوَّقه من كان يريد إسقاط النظام دون التفكير بالبديل، وهذا الفريق كان مدفوعاً بالقهر وبظن أن ما سيأتي لن يكون أسوأ مما كان قائماً. "شيئايت، سونيز، كيردز"، أو: شيعة -سُنة -أكراد كما يلفظها الأميركيون في وسائل الإعلام، رددها -ليل نهار- الفريق الأميركي الذي أدار الأزمة بعد إسقاط النظام لمدة ثلاث سنوات أنتجت ظهور الطائفيين من الشيعة والسُّنة على حساب الشعب العراقي، كانت مسألة المحاصصة مسباراً تحكّم في فكر من جاءوا لتحرير العراق، والنتيجة حكومات طائفية منذ الجعفري وحتى المالكي لا تستطيع أن تحكم خارج المنطقة الخضراء إلا المناطق التي تدين لها بالولاء الطائفي. ليس البديل في خطة بوش الجديدة زيادة تمثيل السُّنة على حساب الشيعة، ولا هو في استمرار هيمنة الائتلاف الشيعي الحاكم، ولكن الحل الذي لا مناص منه هو في زيادة تمثيل العراقيين في حكم العراق، والمقصود هنا هو التخلص من قيد المحاصصة إلى فضاء العراق الرحب. الشيعة- السياسية أثبتت فشلاً ذريعاً في حكم العراق على مدى السنوات الثلاث الماضية، وسوف يفشل السُّنة فشلاً منقطع النظير لو تمكنوا من حكم العراق لوحدهم، تماماً مثلما حاولت الديكتاتورية المقبورة حكم العراق بحزب واحد، ومثلما دغدغ صدام مشاعر السُّنة طمعاً في قمع المعارضة الشيعية. خطة بوش الأخيرة وطلبه زيادة القوات الأميركية العاملة في العراق بعشرين ألفاً هو امتثال لمطالب زيادة القوات على الأرض للسيطرة على الأوضاع بعد سقوط النظام، وتلك كانت من هفوات دونالد رامسفيلد الكثيرة المبكرة التي تسببت في التدهور الجاري الآن. والأخبار القادمة من العراق تقول إن ردود أفعال الأطراف المختلفة تفاوتت تجاه الخطة: البعثيون والمتطرفون من السُّنة رأوا فيها نصراً على هيمنة الطائفيين الشيعة، والطائفيون الشيعة في الحكم موافقون -وإن على مضض- ومتوجسون كجزء من تراث الشك السياسي والتجربة المريرة مع الوعود الأميركية. الأكراد ضمن هذه المعادلة مثل "الضرس الفوقاني" -يطحن ولا يُطحن عليه، فكل التوجهات مقبولة شريطة استمرار الوضع القائم في مناطقهم على ما هو عليه. جيران العراق ثلاثة: نوع من الأصدقاء سيسير مع الركب الأميركي الجديد: "بيو بيو، برو برو". ونوع من الأصدقاء سيتردد ناصحاً ومشترطاً. ونوع ثالث أعلن الرئيس الأميركي إقصاءه وهو سوريا وإيران، وهذا الفريق سيستمر على نهجه بإجهاض الخطة الأميركية الجديدة مثلما ساهم في إجهاض القديمة. الجديد قديم في استراتيجية تجزئة المسائل في المنطقة، وبالتالي فإن مآلها لن يكون النجاح الباهر. د. سعد بن طفلة العجمي