إذا ما انتهى الحال بالولايات المتحدة الأميركية إلى خسارة حرب العراق، كما يبدو متوقعاً الآن، فإن أغلبية "المحافظين الجدد" يعرفون من سيلومون: سيلومون الصحافة ومواقع المدوِّنين ووسائل الإعلام الرئيسية... كما يحتمل أن يخلقوا قصة أسطورية، يتعرض فيها نساء ورجال أميركا الشجعان الذين يخوضون المعارك في العراق، إلى الطعن في الظهر على أيدي الصحافيين غير الوطنيين بل الخونة! فالمتحدثون باسم الإدارة الحالية دأبوا على القول خلال السنوات الماضية، إن الأمور في العراق ليست بالسوء الذي يصوره البعض. وقد كان دونالد رامسفيلد يصر حتى قبيل من مغادرته لمنصبه على القول بأن "البعض يشاهدون قنبلة تنفجر في بغداد، فيظنون أن العراق كله مشتعل... ولكنك إذا ما ركبت طائرة هليوكوبتر وحلقت فوق ذلك البلد، فتكتشف أن الوضع ليس كذلك على الإطلاق". ليس من المستغرب أن يقول شخص كرامسفيلد هذا الكلام، ولكن مكمن المشكلة أن بعض المراقبين كرروا قوله بحذافيره. فعلى سبيل المثال كتب "جيمس ويلسون"، الأستاذ بجامعة هارفارد، مقالة لاذعة في عدد الخريف الماضي من مجلة "سيتي جورنال"، قال فيها: "إن وسائل الإعلام لا تبرز سوى عدد ضئيل للغاية من القصص الإيجابية حول ما يحدث في العراق"، ومضى ويلسون ليعقد مقارنة بين ما يحدث هناك، وما حدث خلال هجوم "تيت" في فيتنام حين صور الإعلام ذلك الهجوم كفشل ذريع لأميركا، والحقيقة هي أنه مثل هزيمة عسكرية لفيتنام الشمالية! إن ردي على ما يقوله ويلسون هو أنه ليس هناك دليل على أن أميركا خسرت حربها في فيتنام، لأن وسائل الإعلام أرادت ذلك، في حين أنها كسبتها على أرض الواقع. ولعله نسي كيف أن الصحفيين ووسائل الإعلام، كانوا في غاية الحماس لتلك الحرب في بدايتها قبل أن يدركوا أن قادة الجيش والرئيس جونسون لم تكن لديهم خطة للنصر. بالنسبة لما يجري الآن في العراق، فإننا حتى لو أخذنا بتقييمات إدارة بوش ذاتها للوضع، فالخلاصة التي سنتوصل إليها هي أنه وضع قاتم. والدليل على ذلك أن وزارة الدفاع الأميركية نفسها أصدرت تقريراً جاء فيه أن العنف في العراق "آخذ في التصاعد"، بل "وصل إلى أعلى مستوى له منذ غزو العراق"، وأن المحاولات الرامية لتحقيق الوفاق الوطني في العراق "لم تحقق إلا تقدماً ضئيلاً". لا يختلف اثنان إذن على أن ما ورد في ذلك التقرير يؤكد الحالة الكارثية في العراق، وأن الأمر ليس من اختراع وسائل الإعلام، كما يدعي بعض جهابذة الإدارة ومن لف لفهم. لا أقصد من ذلك القول إنه لم تكن هناك تغطيات منحازة أو "غير متقنة"، فقد كان هناك في رأيي كثير من التركيز على الخسائر الأميركية، والانتهاكات التي ارتكبها الجيش الأميركي، والتي تعد منخفضة بالمقاييس التاريخية. كما كان هناك تركيز في التغطية على بغداد تحديداً، مع التغاضي عما يحدث في المناطق البعيدة وهو مختلف. في البداية ظننت أن هناك نوعاً من التحيز المنتظم القائم على انتقاء الأخبار المثيرة، على حساب الصورة العامة، وهو ما أدى إلى تشويه فهم الجمهور الأميركي للحرب. كان هذا في البداية، ولكن بمضي الوقت أصبحت الأحوال هناك بدرجة السوء ذاتها التي تصورها وسائل الإعلام، بل تجاوزت تلك الدرجة بكثير بعد ذلك. رغم بعض نواحي القصور في التغطية الخبرية، فإنه ليس هناك من يستطيع أن ينكر وجود تغطيات من الطراز الأول، قام بها فريق من المراسلين الذين صمموا على مواصلة عملهم رغم المخاطر المحدقة، بل إن بعضهم غامر بحياته وفقدها فعلاً. فالصحفيون هناك كانوا يغطون من الشوارع ومن ساحات المعارك، ويخاطرون بحياتهم ولم يكونوا يطيرون فوق العراق بطائرة هليوكوبتر -كما كان ينصحهم رامسفيلد- وقد قدموا لنا صورة واقعية عما يحدث، وهي صورة تختلف عن تلك التي كان الوزير السابق يراها من طائرته. ومضى" ويلسون" ليقول إن الصحف والمجلات وبرامج التلفزيون... تريد أن تصور أميركا التي انتصرت انتصاراً ساحقاً في الحرب العالمية الثانية، وكأنها تخسر حربها الآن في العراق، كما سبق أن صوروا أنها قد خسرت معركتها في فيتنام وفي لبنان! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"