أصبح الشدّ والجذب سمة مميزة للعلاقات السائدة في السوق العقارية سواء بين الحكومات المحلية وفئة المستفيدين من الصعود المتواصل للإيجارات، أو بين المؤجِّرين والمستأجرين، أو بين المستأجرين ومكاتب الوساطة وغيرهم من طبقة مستغلي الوضع الراهن في السوق العقارية مثل "نواطير البنايات" وغير ذلك من فئات تحوّلت بفعل هذا الوضع إلى عامل مؤثر في توجيه دفة الأسعار وبالتالي التحكّم في مؤشرات التضخّم! الكثيرون توقعوا على نطاق واسع بأن تسهم الطفرة العقارية الراهنة في فكّ الاشتباكات الإيجارية السائدة وكبح جماح الأسعار والحيلولة دون مزيد من الصعود في القيم الإيجارية التي وصلت إلى حدود مبالغ فيها وتفرز تأثيرات سلبية على صعد شتى، واعتبر هؤلاء المتفائلون أن قوى العرض والطلب كفيلة خلال فترة وجيزة بإعادة التوازن إلى السوق والتغلب على عوامل الارتفاع غير الطبيعية والتدخّلات المؤثرة من هذه العناصر المتطفلة على السوق، ولكن هذا الاعتقاد لم يترجم في الواقع الفعلي كما لم تتحرّك آليات العرض والطلب لإثبات فاعليتها في السيطرة على الأوضاع، ربما لأن المعروض من الشقق السكنية لم يزل دون معدلات الطلب، وربما لأن غالبية هذا المعروض تندرج ضمن شريحة "التمليك" والإسكان الفاخر الذي يتصدّر قائمة الطفرة الواضحة في الاستثمار العقاري، أو لأن ارتفاع الأسعار والطفرة السياحية وما يرافقها من تنامي الطلب على الشقق الفندقية قد أغرى الكثير من الملاك بتحويل البنايات إلى شقق فندقية للاستفادة من فروقات الأسعار والموجة السائدة، أو لتحويل هذه البنايات إلى شرائح إيجارية أعلى بعد تفريغها من السكان وإعادة تأجيرها بعد إجراء بعض "الترميمات" والتشطيبات المعمارية. النتيجة في كل الأحوال وأياً كانت الأسباب أن الخلل بين العرض والطلب في سوق الشقق السكنية لم يزل يسيطر على الموقف، وأن الاشتباك بين المؤجرين والمستأجرين لم يزل قائماً رغم تدخل الدولة بشكل جدّي للسيطرة على هذه الاختلالات عبر سنّ التشريعات القانونية الملزمة والتي تضع سقفاً ملزماً للارتفاع في القيم الإيجارية وتؤطر العلاقة بين الملاّك والمستأجرين عبر آليات تنفيذية باتت لمساتها الإيجابية في السيطرة على سوق الإيجارات واضحة في إمارة أبوظبي، على سبيل المثال. أحد مسبِّبات استمرار معاناة جمهور المستأجرين أن هناك محاولات التفاف وتحايل على القوانين والتشريعات التي دخلت إلى حيّز التنفيذ مؤخراً، وأغلب هذه المحاولات تأتي من جانب شريحة المستفيدين من الوضع الراهن مثل مكاتب الوساطة وسماسرة العقارات الذين يمارسون هذا النشاط سواء بترخيص رسمي أو من دون ترخيص، ويتسببون في تكريس الفوضى إعلاءً لمصالحهم الذاتية التي تتعارض بطبيعة الحال مع الأطر القانونية والمؤسسية التي تحاول الدولة تكريسها والعمل بها. واقع الحال يشير في أحيان كثيرة إلى وجود "عرض" يجابه أي "طلب" ولكن الوصول إلى المعروض من الشقق لا يتحقق سوى عبر دفع "العمولة" أو "الإتاوة" التي تفرضها هذه المكاتب على المستأجرين. بل إن الرغبة نحو الربح السريع والتحايل على القانون، دفع ببعض الملاّك لأن يسعى إلى تأجير بنايته كاملة لمكاتب "الوساطات"، التي انتشرت في السوق كانتشار مرض خبيث، أو تحويل البناية إلى شقق فندقية، وبعد أن تتحول البناية إلى مكاتب الوساطة، "يتفنن" السمسار، سواء كان شخصاً أو مكتباً، في تعذيب المستأجر بالأسعار التي يضعونها.