لقد بلغت حدة التوترات بين الأميركيين المنحدرين من أصول لاتينية وأقرانهم المنتمين لأصول أفريقية، طوراً لم يعد ممكناً تجاهله بأي حال. وعلى رغم أن أحداث العنف والشغب التي شهدها الأسبوع الماضي بين السجناء الأفارقة الأميركيين وأقرانهم المنحدرين من أصول لاتينية في سجن "تشاينو" في ولاية كاليفورنيا، لم يكن حادثاً عرضياً ولا استثنائياً، إلا أن مصرع الطفلة السوداء "شيريل جرين"، البالغة من العمر 14 عاماً، في 15 ديسمبر المنصرم، في منطقة "هاربور جيت" المجاورة، والذي زعم أن المسؤولية عنه تقع على عصابة أميركية لاتينية، كان صادماً ومروعاً في سلسلة تلك التوترات والاشتباكات المتبادلة بين الجانبين. ومع ذلك، فما من جديد يذكر في كل ما حدث مؤخراً بين هاتين العرقيتين. بل على العكس من ذلك تماماً، فإنه ليس سوى تجل لاتجاه عام متنامٍ، أي ممارسة أبناء العرقية اللاتينية للمزيد من أعمال التطهير العرقي بحق إخوتهم الأفارقة في المناطق المجاورة، ذات التعدد العرقي والثقافي. ففي شهر أغسطس الماضي، فرغ المدعون الفيدراليون من إدانة أربع عصابات لاتينية، ظلت تخطط على مدى ست سنوات، للكيفية التي يمكنها بها مهاجمة وقتل أكبر عدد ممكن من الأفارقة الأميركيين في منطقة "هاي بارك". وأوضح المدعون أثناء سير المحاكمة، أن أفراد المجموعات الأفريقية في تلك المناطق، ظلوا عرضة للترهيب والتهديدات المستمرة من قبل العصابات المذكورة، على الرغم من أنهم لا تربطهم أدنى صلة بأي نشاط عدواني، وليست لديهم علاقة بأي عصابات عرقية ناشطة في العدوان على الآخرين. وأوضحت هيئة الاتهام، أن القصد من كل ذلك هو إرغام الأفارقة السود على الخروج من المنطقة المذكورة، التي ينظر إليها ذوو الأصول اللاتينية على أنها حكر خاص ومغلق على عرقيتهم هم. ومن بين تلك التحرشات والأعمال العدوانية المستمرة التي يتعرض لها الأفارقة في منطقة "هاي بارك"، إقدام عصابة لاتينية على قتل أحدهم أثناء بحثه عن مكان يوقف فيه سيارته. وفي حادثة أخرى، جرى رمي امرأة سوداء من دراجتها الهوائية، بينما تعرض زوجها للتهديد بالقتل إن حاول نجدتها، بواسطة أحد المدعى عليهم من أفراد العصابة اللاتينية المذكورة. وذكرت الهيئة أن المدعى عليه قال للمرأة وزوجها: "أيها الزنوج.. لقد أقمتم وعشتم في هذه البلاد بما يكفي". ومن الوهلة الأولى، قد يبدو مثيراً جداً للحيرة، أن تكون كل هذه الاعتداءات والكراهيات بين أفراد مجموعتين عرقيتين تتقاسمان الكثير جداً من جوانب الفقر والحرمان الاقتصادي، الذي تعيشانه. وعلى امتداد السنين، كان قد جرى تفسير هذه الكراهيات على أنها تأتي في سياق ردة الفعل الطبيعية على حدة المنافسة على وظائف "ذوي الياقات الزرقاء"، في سوق عمل ظلت تضيق يوماً إثر الآخر عليهم. وهناك أيضاً من نظر إليها على أنها ناتجة عن تزايد التوترات والنزاعات العرقية الثقافية في مجتمعات متجاورة ومتغيرة باستمرار. ثم إن هناك من نظر إلى الأمر على أنه تعلم من قبل المجموعات العرقية اللاتينية لدرس العنصرية ضد السود، أو ربما كونه نتيجة لتذمر الأميركيين السود من جني أقرانهم اللاتينيين لمكاسب حركة الحقوق المدنية التي قادوها هم وناضلوا من أجلها بأرواحهم ودمائهم. وعلى الرغم من توفر درجة ما من درجات الصحة والحقيقة لبعض أو كل ما ذكر من تأويلات لهذا العنف، فإنها تظل غير كافية جميعاً لتفسير حدة هذا التطرف العرقي ومداه. فعلى امتداد السنوات، هناك ميل دائم للإلقاء باللائمة على الأفارقة الأميركيين الذين كثيراً ما اتهمهم المراقبون بأنهم الطرف المبادر بالعنف والاعتداء، وليس أقرانهم اللاتين. وعلى رغم كثرة اللوم الذي يمكن إلقاؤه وتوزيعه هنا وهناك، إلا أنه على قدر كبير من الأهمية ألا نغفل دور ثقافة المجموعات اللاتينية وتاريخها في توسيع الصدع بين العرقيتين. والشاهد أن العنصرية، وبخاصة العنصرية ضد السود، تعد حقيقة تاريخية بالغة الضرر، وجزءاً لا يتجزأ من واقع الحياة في القارة اللاتينية ومنطقة الكاريبي. فالذي حدث هناك، هو ترحيل حوالى 90 في المئة من الأفارقة السود البالغ تعدادهم نحو 10 ملايين، والذين استعبدوا وجلبوا إلى هنا، إلى أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، بينما تم الإبقاء على نسبة لا تزيد عن 4.6 في المئة فحسب من الرقم نفسه، داخل الولايات المتحدة الأميركية. وبحلول عام 1793 كان في المكسيك الاستعمارية حوالى 370 ألفاً من الأفارقة السود، مما يشير إلى أكبر تكدس من نوعه لهذه المجموعة العرقية في أميركا اللاتينية. ثم إن تراث العبودية الذي ساد في تلك القارة، يبدو قريباً وشديد الشبه بالإرث العبودي نفسه الذي ساد في الولايات المتحدة وقتئذ. فكلما كانت بشرة الشخص فاتحة وملامحه أقرب للملامح الأوروبية، كلما ازدادت فرصه وحظه في التوظيف والحياة بمستوى لائق. وعلى العكس من ذلك تماماً، كان حظ ذوي البشرة الداكنة والملامح الأفريقية. فكثيراً ما تضيق فرص التوظيف والحراك الاجتماعي بالنسبة لأفراد هذه الفئة الأخيرة. وما أود قوله هنا أن ظاهرة "الهيمنة البيضاء" قد غرست جذورها عميقاً في تراب القارة اللاتينية، ولا تزال تتواصل تقاليدها إلي اليوم هناك. ولذلك فإنني أتحدث هنا عن "جذور مهاجرة" إلى الولايات المتحدة الأميركية، لثقافة التمييز هذه ضد السود والأفارقة الأميركيين. على أن هذا العنف والكراهية المتبادلة بين الطرفين، لا يمكن حله إلا عندما يدرك الطرفان ويعيان مكنونات ودوافع انحياز أي منهما ضد الآخر. وهذه مسألة يحتاج علاجها السلوكي النفسي والاجتماعي إلى أمد طويل. وإلى أن يتم ذلك، فلابد من فعل ما يمكن فعله واتخاذه من إجراءات أمنية واجتماعية للتخفيف من حدة الكراهية والعنف بين الطرفين. تانيا كي. هرنانديز أستاذة القانون بجامعة "روتجيرز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"