أحد عشر رئيس حكومة، مروا على إسرائيل منذ إنشائها، لم تصل شعبية أي منهم إلى الحضيض كما هو الحال مع رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت. وبمناسبة مرور عام على تسلمه رئاسة الحكومة الإسرائيلية بشكل فعلي (في الرابع من يناير 2006)، تناول عدد من الصحف الإسرائيلية، خلال الأسبوع الماضي، بالمتابعة والتحليل، هذه الفترة القصيرة من حكمه، للتدليل على فشله كرئيس للوزراء، وذلك بالتأكيد على أن ضربة الحظ والصدفة هي التي جعلت منه رئيساً للحكومة، حين أسقط المرض سلفه أرييل شارون بشكل مفاجئ في ديسمبر 2005، ثم أصيب بعد أيام بشلل دماغي، فأصبح أولمرت حينها رئيس الحكومة الفعلي، ثم جرى تبكير موعد الانتخابات لتثبِّتَه نتائجها في رئاسة الحكومة. ورغم أن الإسرائيليين انتخبوا أولمرت رئيساً لحكومتهم، فإن غالبيتهم عبروا خلال استطلاعات رأي أجريت بعيد تشكيله الحكومة الائتلافية مع "حزب العمل"، عن وجود جانب لا يريحهم في شخصيته وهو افتقاره للقوة والتأثير اللذين تمتع بهما أسلافه الجنرالات في رئاسة الحكومة، وعلى رأسهم شارون الذي توقع الشارع الإسرائيلي أن يتم إكمال مسيرته على يدي أولمرت المنتخب لذلك المنصب. واجه أولمرت، منذ بداية عمله كرئيس للوزراء، عدة امتحانات صعبة لم يكن يتصورها، بدأت بقرار حركة "المقاومة الإسلامية" (حماس) خوض الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفوزها بها ومن ثم تشكيلها الحكومة. وجاءت بعدها العمليتان الجريئتان للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، حين أسرت الأولى الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، فيما أسرت الثانية جنديين آخرين. هنا وقع أولمرت في كمين السياسة الإسرائيلية التقليدية، فأعلن الحرب على لبنان وغزة ودمرهما وقتل من قتل، لكنه فشل في تحقيق أهدافه في العدوانيين، فوضع نفسه في مساءلات لجان التحقيق. وهكذا تزعزعت مكانة أولمرت وبات ينظر إليه كقائد فاشل وضعيف. في الوقت ذاته ورث أولمرت مسلسلاً من الفضائح المالية والجنسية والسياسية، عصفت بإسرائيل على نحو غير مسبوق، حيث يكشف يومياً عن تورط عدد متزايد من كبار المسؤولين والوزراء بفضائح متعددة. وفي آخر استطلاع رأي أكد 77 في المئة من الإسرائيليين عدم رضاهم عن حكومة أولمرت، حيث أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في افتتاحية عنوانها "سطو وانكسار"، إلى أن تفجر فيض من الفضائح التي طالت مختلف دوائر صناعة القرار الإسرائيلية، لا يترك مكاناً لاستغراب عمق أزمة الثقة بين "الشعب" وسلطاته، فيما ربط "يسرائيل هارئيل"، المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، بين تفشي وباء الفساد في المرافق العامة الإسرائيلية، وبين ضعف الجيش منذ العدوان على لبنان، لافتاً النظر إلى تجذر ثقافة الصمت على الأخطاء، والتهرب من تحمل المسؤوليات. بل إن "سيفر بلوتسكر"، المحرر الاقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، اعتبر أن إسرائيل هوت إلى القاع، متسائلا: "أين نجد دولة سليمة في العالم، يعتقل فيها رؤساء السلطات الضريبية، ويحاكم وزير القضاء، ويجري التحقيق في قضايا مالية شائكة مع رئيس الحكومة، ووزير المالية، ويفتح ملف تلو الآخر لكثير من قياديي الدولة؟". من جهته، رأى الصحفي "بن كسبيت"، المعلق السياسي في صحيفة "معاريف"، أن "الدولة عفِنة من الأساس ومن القاعدة حتى الرأس، وأن العفن يكتنفها ويتغلغل في كل مكان"، معتبراً أن إسرائيل "أمام انهيار مفاجئ وتلاشٍ كامل للمبنى كله". وحسب الكاتب الإسرائيلي "أوري بلاي"، فإن أولمرت هو "من أكثر رؤساء الحكومات في إسرائيل الذين جرى التحقيق معهم"، وإن الملفات التي فتحت له أغلقت في فترات عديدة. ويعيد "بلاي" ما يعتبره ضعفاً في شخصية أولمرت إلى نمو عادات يظهر فيها حباً للمطاعم والفنادق الفخمة والبذخ والترف. كذلك، يجب ألا ننسى خطورة قيام أولمرت بضم "أفيغدور ليبرمان"، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، إلى الحكومة، حيث يتفق المحللون الإسرائيليون، قبل غيرهم، على أن تلك الخطوة لا تعود فقط إلى قوة ليبرمان ومواقفه العنصرية المتطرفة، بل إلى ضعف الجهاز السياسي الإسرائيلي الغارق في الفساد والخاضع لإملاءات واشنطن. فإدخال ليبرمان إلى الحكومة كسر محورها الرئيسي الذي جمع حزبي "كاديما" و"العمل"، وشكل تحالفاً محورياً جديداً يضم أولمرت وليبرمان. فمنذ تولى أولمرت رئاسة الحكومة وهو يتلقى الضربات، وخاصة من الرأي العام الإسرائيلي. لكن بعد مضي عام كامل على تسلمه رئاسة الحكومة، تلقى ضربة من جمهور حزبه، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "شفاكيم بانوراما" أن وزيرة الخارجية "تسيبي ليفني" تتفوق على أولمرت في حال إذا ما تنافسا على منصب رئاسة الحزب، وأنه إذا كان التنافس حصرياً بينهما، فستحصل ليفني على تأييد (61%) مقابل (24.5%) لأولمرت. أما إذا تنافست مع وزير المواصلات الحالي "شاؤول موفاز" الذي سيحظى بـ(23%)، فيفترض أن تحظى ليفني بتأييد (59%) من أعضاء الحزب. وإذا كان التنافس بين جميع المرشحين لرئاسة الحزب، فستحظى ليفني بتأييد (49%)، وأولمرت بتأييد (8.7%) فقط، وموفاز (14,5%)، بمعنى أن ترتيبه في الحزب بات ثالثاً وليس ثانياً. لقد توقع عدد من المحللين الإسرائيليين، منذ أن اختار شارون أولمرت نائباً له، ألا يصمد الأخير وأن يفشل حين يصبح رئيساً للحكومة؛ فالرجل لا يمتلك الكاريزما التي تؤهله لتولي منصب حساس في دولة كإسرائيل، حتى أن البعض توقع أن يتخبط في حديثه ويصرح بأمور دون إدراك منه لخطورتها، وهو ما حدث مؤخراً مرتين؛ الأولى حين نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل نحو أسبوع خبراً مثيراً، قال فيه أولمرت إن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله "أشجع رجل في العالم"، بعد أن قال إن نصرالله "رغم أنه زعيم منظمة إرهابية، إلا أنه أشجع رجل في العالم، ولا يهاب شيئاً، ويعمل للمستقبل بشكل شجاع ومحنك". وثانياً حين كرر عدة مرات أن "إسرائيل لن تكون الدولة الأولى التي تدخل السلاح النووي إلى المنطقة"، في محاولة لتصحيح ما اعتبر التباساً ورد في حديث تلفزيوني له وأثار جدلاً كبيراً في إسرائيل حيث شمل إسرائيل في لائحة الدول التي تمتلك الأسلحة النووية، بل إن وزير البنى التحتية "بنيامين بن أليعازر" أوصى بالتزام الصمت حيال المسألة النووية، قائلاً: "أوصي كل الذين يريدون مواصلة الحديث عن هذه القضية بالكف عن ذلك باسم الله وباسم أمن إسرائيل". أساساً، تكمن خطورة الأمر في أن برنامج حكومة أولمرت اعتمد على "خطة الانفصال" عن غزة و"خطة الانطواء" في الضفة الغربية. ومنذ فشل العدوان على لبنان، بقي "البرنامج" دون أجندة سياسية، كما أن اشتعال الجبهة مع غزة وفي جنوب لبنان، بعد الانسحاب من كلا الموقعين، أقنع المجتمع الإسرائيلي بفشل نهج الانسحابات أحادية الجانب دون اتفاق مع الفلسطينيين، وهو ما يؤشر إلى مفارقة عودة التشدد في إسرائيل!