صدر هذا الكتاب للتو، وقد جاء حاشداً بالمعلومات وآخر تطورات المواجهة المحتدمة بين واشنطن وطهران، بما فيها بالطبع تعنت الإدارة الأميركية الحالية، وإصرارها على عزل إيران من أية محادثات ذات صلة بتحقيق الأمن والاستقرار في العراق، وتجاهل كل ما أوصت به لجنة "بيكر– هاملتون"، بشأن عقد مؤتمر إقليمي لمناقشة الوضع العراقي، شريطة أن تشارك فيه كافة القوى الإقليمية في المنطقة، وضمنها سوريا وإيران. والمعلوم أن الولايات المتحدة، تمثل رأس الرمح في تأليب المجتمع الدولي وتعبئته ضد طهران، في إطار مواجهتها المتصاعدة للأخيرة، أملاً في وقف برامجها النووية وإرغامها على التخلي عن تلك البرامج. ويعد هذا التصعيد امتداداً طبيعياً للمواجهة التي بدأتها واشنطن مع طهران، منذ الغزو الأميركي للعراق صيف عام 2003، وما يرتبط بهذه المواجهة من اتهامات مباشرة توجهها واشنطن لإيران، بأن لها يداً في زعزعة أوضاع العراق، وفي تأجيج نار الحرب الطائفية المستعرة هناك، بل والأهم من ذلك، ما تراه واشنطن من تطلعات إيرانية لفرض هيمنة طهران الإقليمية على المنطقة، بدءاً بالعراق، وصولاً إلى ما يسمى في قاموس اليوم السياسي بـ"الهلال الشيعي". لكن رغم هذا التصعيد، يرى "روجر هوارد"، مؤلف الكتاب، أن واشنطن وفي معرض حرصها المتشدد على عزل طهران ومواجهتها، إنما تدفع أميركا إلى حفر قبرها بظلفها، وإلى تقويض قوتها ومكانتها كدولة عظمى وحيدة في عالم اليوم. كيف؟ ولماذا؟ يجيب المؤلف عن هذين السؤالين بالقول إنه وفي حال حمل واشنطن لبقية دول العالم الأخرى، على الاختيار بينها وبين طهران، فإن لهذه الأخيرة ورقة رابحة تستطيع أن تميل بها كفة الميزان الدولي لصالحها. وما هذه الورقة سوى ما لدى طهران من كميات هائلة من احتياطي النفط والغاز الطبيعي، ما يجعل من الصعوبة بمكان، مغامرة دول العالم بمقاطعة طهران وفرض قدر من العزلة الدولية عليها. وقد شرعت طهران سلفاً في التلويح باستخدام سلاح نفطها. وليس ذلك فحسب، بل إن مضيق هرمز الذي تمر عبره الناقلات النفطية إلى شتى بلدان العالم الغربي، تسيطر عليه طهران، وهو عامل إضافي في إضعاف موقف الولايات المتحدة ومحاولة هيمنتها على خريطة العلاقات الدولية المعاصرة. يذكر أن الكتاب يقع في أربعة فصول، تناول أولها مدى أهمية الموارد الطبيعية الإيرانية في مجال الطاقة، بينما تناول الثاني، دور النفط والغاز الطبيعي الإيراني في كسر التحالفات التقليدية القائمة بين أميركا وبقية دول العالم. أما الفصل الثالث، فخصص لمناقشة وتحليل مواقف الدول المنافسة لأميركا، وكذلك مواقف دول عدم الانحياز، ممثلة في الهند وباكستان وغيرهما من دول المنطقة. بذلك نصل إلى الفصل الرابع والأخير، الذي كرَّسه المؤلف لمتابعة مصادر وأسباب دعم النظام الإيراني الحاكم، رغم الحملة التي تصعِّدها ضده واشنطن دولياً وإقليمياً. ومن باب تفصيل الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها مصادر الطاقة الإيرانية، قال المؤلف إن ارتفاع الطلب العالمي على النفط والغاز الطبيعي، في مقابل انخفاض حجم العرض، بسبب التوترات الجارية الآن في منطقة الشرق الأوسط، وموارد أخرى للطاقة في عدد من البلدان، إضافة إلى سرعة النمو الاقتصادي الهائل في كل من الصين والهند، قد مكنا معاً طهران، من كسر التحالفات التقليدية القديمة، القائمة بين واشنطن ودول إقليمية آسيوية مثل الهند وباكستان. بل تمكنت طهران من التأثير بشكل ملحوظ على بوادر تحالف أميركا مع روسيا في حقبة ما بعد حقبة الحرب الباردة، وعلى تحالفها الراسخ والتقليدي مع عدد من الدول الأوروبية. ومضى "هوارد" أبعد من ذلك في صياغة استنتاجاته لآفاق هذا التأثير، بقوله إن في مقدور المعروض الإيراني من النفط والغاز الطبيعي، أن يحدث تحولاً راديكالياً غير مسبوق، في إعادة تشكيل خريطة العلاقات الدبلوماسية والأمنية في كل من آسيا ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، خلال العقد المقبل. ومن وجهة نظر الكاتب أيضاً، فإن الولايات المتحدة إنما تسعى لهدم نفسها بنفسها اقتصادياً، عبر مواجهتها لإيران وإصرارها على فرض مقاطعة اقتصادية تجارية عليها. ذلك أن المستفيد النهائي الوحيد من هذه المقاطعة الأميركية، هو منافسوها السياسيون والاقتصاديون كالصين مثلاً. وعندها تكون صادرات النفط والغاز الطبيعي الإيراني، حكراً على الدول المنافسة لأميركا وحدها. غير أن الأمر لا يقف عند حدود تبادل الطاقة والعلاقات التجارية مع طهران، وإنما يمتد لتمكين إيران من إنشاء اصطفافات وتحالفات إقليمية ودولية جديدة، من شأنها أن تشكل قطباً موازياً للولايات المتحدة، ومنافساً لقوتها ووزنها الدوليين. لذلك وبإصرارها على مواجهتها وعدائها لدولة لها كل هذا الكم الهائل من احتياطيات النفط والغاز الطبيعي، إنما تكتب نعيها لذاتها كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم، على حد قول المؤلف. يذكر أن "روجر هوارد"، كاتب صحفي تخصص في تغطية الأخبار وإعداد التقارير الخاصة بقضايا الأمن والدفاع الشرق أوسطية، في عدد من الصحف والمجلات الأميركية والدولية. عبد الجبار عبد الله الكتاب: النفط الإيراني: التحدي الجديد لأميركا المؤلف: روجر هوارد الناشر: مؤسسة "آي بي تاوريس" للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2007