رغم أن الرئيس الأميركي جورج بوش رفض اقتراح إجراء محادثات مباشرة مع سوريا وإيران بخصوص مستقبل العراق، فإن مسؤولين في إدارته ينكبون اليوم على بحث طريقة لضم هذين البلدين على نحو يكون مقبولاً من قبل بوش. فقد شدد الرئيس والمسؤولون الكبار في إدارته غير مرة على أنهم لن يتحدثوا مع إيران ما لم تقم بتعليق برنامجها النووي؛ كما تحاشوا سوريا بسبب تدخلها في لبنان. غير أن البيت الأبيض خضع في الآونة الأخيرة لضغوط داخلية وخارجية متزايدة من أجل التفاوض مع هذين البلدين في وقت تعمل فيه واشنطن على إعادة النظر في استراتجيتها في العراق. وفي هذا الإطار، يعتزم بوش الكشف، في غضون الأيام القليلة المقبلة، عن استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في العراق، تتمثل في مخطط من المتوقع أن ينص على زيادة القوات الأميركية في هذا البلد، وتكثيف الضغوط على الحكومة العراقية من أجل التوصل إلى توافقات سياسية بشأن اقتسام السلطة وعائدات النفط. وكانت "مجموعة دراسة العراق"، وهي لجنة أميركية خاصة تَصدّرَ تقريرُها قائمةَ العناوين الأكثر مبيعاً، حثت الإدارة الأميركية الشهر الماضي على عقد محادثات مع إيران وسوريا باعتبارها خطوة ضرورية على طريق معالجة العنف في العراق وانعدام الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها. ورغم أن البيت الأبيض رفض الإصغاء لتوصيات اللجنة التي دعت إلى بدء الجهود الدبلوماسية قبل نهاية 2006؛ فإن مسؤولي الإدارة أعلنوا أن جهوداً جديدة متعددة الأطراف لم يُشرع فيها بعد يمكن أن تشمل خصمي الولايات المتحدة، سوريا وإيران. وفي هذا الإطار، قال أحد المسؤولين الأميركيين المطلعين على المناقشات التي تدور داخل إدارة بوش إن ثمة تأييداً مهماً لـ"إنعاش" الجهود الرامية إلى إشراك الجيران النافذين في المنطقة ضمن مساعي البحث عن طريقة للتعاطي مع مشكلات العراق. ويقول المسؤول، الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه نظراً للطابع الحساس للمناقشات الداخلية: "إنه أمر يمكن لإيران وسوريا أن تكونا طرفين فيه، إن رغبتا في ذلك، غير أن ذلك لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه تقرب من قبلنا نحن بصفة خاصة إليهما". وأضاف المسؤول الأميركي أن الجهود موضوع الحديث ستقتضي توسيع المساعي التي تقودها الأمم المتحدة لمساعدة الاقتصاد العراقي "إلى المجال السياسي"، وهو ما سيسمح للجيران الإقليميين والقوى العالمية باستعمال نفوذهم لإخماد العنف الطائفي. وبشمولها للقضايا السياسية، ستكون الجهود الجديدة أوسع من تلك التي تقودها الأمم المتحدة في إطار ما يدعى بـ"الميثاق الدولي من أجل العراق"، أو من التعاون الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم الولايات المتحدة وست دول خليجية ومصر والأردن. المطلعون على المناقشات التي تدور داخل الإدارة الأميركية قالوا إنهم غير متأكدين مما إن كان سيتم الإعلان عن أية مبادرة دبلوماسية من هذا القبيل باعتبارها جزءاً من التحول في استراتجية العراق التي من المرتقب أن يرسم ملامحَها الرئيس بوش في خطابه المقبل. في حين أعرب أحد المسؤولين عن اعتقاده بأن أي إعلان بخصوص محادثات من هذا النوع سيأتي في وقت لاحق من هذا العام. هذا ومن غير الواضح ما إن كان بوش قد أبدى موافقته على الجهود الرامية إلى إيجاد طريقة لشمول إيران وسوريا في المفاوضات متعددة الأطراف؛ ذلك أن بوش ومسؤولين كباراً في إدارته عارضوا باستمرار عقد محادثات مباشرة مع أي من البلدين بدعوى أن إيران تستعمل برنامجها النووي المدني لتطوير أسلحة نووية، وأن سوريا تعمل على زعزعة استقرار لبنان. غير أن كبار مساعدي بوش أعلنوا أن هذه المخاوف لا تعني استبعاد إمكانية حدوث تعاون جماعي يمكن أن يضع مسؤولين أميركيين في اتصال قريب مع السوريين والإيرانيين بخصوص المواضيع ذات الاهتمام المشترك. وفي هذا الإطار، يشير مسؤولون من الإدارة الأميركية إلى أن هذه المحادثات الجماعية تختلف عن المحادثات المباشرة؛ إذ يقول مسؤول من وزارة الخارجية، رفض الإفصاح عن اسمه أيضاً: "إن هذا الأمر ليس رديفاً بالمطلق لمحادثات ثنائية مباشرة، لكن ليس لدينا أي اعتراض على أن نكون في نفس الغرفة التي تضم جميع جيران العراق، بمن في ذلك إيران وسوريا. فنحن نحرص على أن تكون للعراق علاقات جيدة مع جميع جيرانه". وقد اعتبرت "مجموعة دراسة العراق"، التي ترأسها وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر والنائب "الديمقراطي" السابق "لي هاملتون" أن من شأن الجهود الجديدة أن تساهم في الدفع نحو المصالحة السياسية؛ حيث توقعت اللجنة في تقريرها أنه "لن يكون بمقدور الزعماء العراقيين التوحد في حال لم يتلقوا الإشارات والدعم الضروريين من الخارج"، مضيفة أن "هذا الدعم لن يتجسد من تلقاء نفسه، ويتعين أن يكون موضوع تشجيع من قبل الولايات المتحدة". وقد أعرب المسؤولون السوريون، بعد صدور تقرير "مجموعة دراسة العراق"، عن رغبتهم في الالتقاء بنظرائهم الأميركيين، غير أن الحكومة الإيرانية رفضت عرضاً أميركياً في الآونة الأخيرة يقضي بعقد اجتماع يشارك فيه سفير الولايات المتحدة في العراق زلماي خليلزاد. ومع ذلك، فإن بعض الخبراء يستبعدون إمكانية أن تتحدث الإدارة الأميركية مع طهران ودمشق نظراً لتشككها في نجاح سياسة الإشراك. وفي هذا السياق، يقول "ستيفن كوك"، المحلل المختص في شؤون الشرق الأوسط بـ"مجلس العلاقات الخارجية": "إن بوش مقتنع بفكرة أن هؤلاء الأشخاص لن يساعدونا في شيء". بول رشتر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محرر الشؤون الخارجية في "لوس أنجلوس تايمز" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"