في إطار الحوار المجتمعي الذي أطلقته مقترحات تعديل 34 مادة من الدستور المصري، يحظى اقتراح إضافة نص إلى الدستور ينظم حماية الدولة من الإرهاب باهتمام بالغ من جانب النخب المتحاورة حول الطبيعة الدائمة والمؤقتة لقانون مكافحة الإرهاب. لقد طالب الرئيس مبارك بإحلال نص جديد يسمح للمشرع بفرض الأحكام الكفيلة بحماية المجتمع من الإرهاب، بحيث لا تحول الأحكام الواردة في المواد الخاصة بالحريات وضماناتها الدستورية دون قدرة إجراءات مكافحة الإرهاب على التصدي لأخطاره وآثاره الجسيمة. وفي حين يرى فريق من المتحاورين أن مطلب الرئيس يضمن، بنص دستوري دائم، حماية المجتمع بما يوفره من حرية الحركة للسلطات في اتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لإحباط مخططات الإرهاب دون حاجة لقانون الطوارئ، يرى فريق آخر أن تضمين النص في الدستور سيؤدي إلى طابع أبدي دائم -لا ضرورة له- ينتقص من الحريات الأساسية. النظر إلى محتوى المواد الحالية في الدستور، والتي يُراد لأحكامها ألا تحول دون قدرة إجراءات مكافحة الإرهاب، يكشف عن طبيعة الجدل الجاري وعمقه؛ فالمادة 41 تنص على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة". أما المادة 44 من الدستور، فتنص على التالي: "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون". أما المادة 45 فتنص على أن: "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقاً لأحكام القانون". الفريق الذي يؤيد اقتراح التعديل، يستند إلى أن الرئيس قد أكد في طلبه للتعديل على ضرورة أن يؤكد النص الدستوري الجديد على أن يكفل القانون تحديد رقابة قضائية على إجراءات مكافحة الإرهاب بما يضمن أمرين الأول التصدي بحزم لخطر الإرهاب، والثاني دفع أي عدوان أو مساس غير مبرر بحقوق الإنسان مع إتاحة سبيل سريعة لسرعة الفصل في قضايا الإرهاب. من هنا يرى الفريق المؤيد للتعديل المطلوب أن النص الجديد سيراعي مطلب الرئيس بألا تسمح إجراءات مكافحة الإرهاب بوقوع أي عدوان أو مساس غير مبرر بحقوق الإنسان، وهو ما يكفل توازن النص الدستوري الجديد بين حماية حقوق المجتمع وحقوق الفرد. أما الفريق الثاني من المحاورين، فيرى أن تضمين الدستور نصاً يتعلق بظاهرة الإرهاب باعتبارها ظاهرة مؤقتة، يتناقض مع ما ينبغي أن تتسم به مواد الدستور من عمومية وتجريد، فضلاً عن عدم الاطمئنان إلى أن الصياغة النهائية لن تهدد ضمانات الحرية الشخصية في ضوء صعوبة التفريق بين المساس المبرر والمساس غير المبرر الذي يطالب الرئيس بحقوق الإنسان، وفي ضوء عدم وضوح المقصود من سرعة الفصل في قضايا الإرهاب، والذي قد ينطوي على دلالات سلبية أو إيجابية. وهناك من يعبر عن مخاوف، كتلك التي يراها الأستاذ صلاح عيسى، الذي يخشى من أن يؤدي هذا التعديل إلى إكساب صفة الأبدية لحالة الطوارئ، وأن يتم تحويلها من حالة استثنائية مؤقتة إلى حالة دائمة، تظل قائمة في كل الأحوال بنص صريح في الدستور. الجدل الجاري في مصر حالياً، يتجه إلى البحث عن البديل التشريعي الذي يكفل محاربة الإرهاب بكفاءة دون أن يؤدي هذا إلى الطغيان على حقوق وحريات الإنسان، ودون الحاجة إلى تطبيق قانون الطوارئ، الذي يسمح في حال إعلان حالة الطوارئ باتخاذ إجراءات استثنائية مُعطِّلة لهذه الحقوق. اقتراح الرئيس يخضع، بناء على طلبه، لمناقشات واسعة ولحوار مجتمعي معمق قبل وضعه في الصياغة النهائية. إن المطمئن في هذا الحوار هو أن غاية الرئيس والفرقاء المتحاورين واحدة، وهي إيجاد نظام قانوني يجمع بين القدرة على إجهاض العمليات الإرهابية قبل وقوعها والحفاظ على حقوق وحريات الفرد وستكشف الأسابيع المقبلة ماذا يمكننا التوصل إليه بشأن التشريع الدستوري الضامن لهذه الغاية.