أثارت التصريحات الأخيرة لدول مجلس التعاون الخليجي الست بعزمها بحث سبل تطوير الطاقة النووية قلق المجتمع الدولي الذي يبذل جهوداً حثيثة لمنع الانتشار النووي في العالم. وعلى غرار الحالة الإيرانية، ينبع الخوف من أن تمتلك تلك الدول وهي البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة قدرات نووية تمكنها من إقامة برنامجها الخاص لإنتاج الأسلحة النووية. وفي الوقت الذي تتنامى فيه الطموحات النووية لدول المنطقة وما يرافقها من قلق عالمي تطفو على السطح، بين الحين والآخر، فكرة جريئة حان الوقت للنظر فيها بكل جدية تتمثل في إحداث منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وهو الاتفاق الذي سيمكن الدول في حال خروجه إلى حيز الوجود ليس فقط تجنب سباق محموم لامتلاك الأسلحة النووية، بل أيضاً لمعالجة القضايا السياسية العالقة التي توتر العلاقات بين الدول في المنطقة. وإذا كانت الدعوة التي أطلقها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في هذا الاتجاه خلال زيارته العام الماضي للولايات المتحدة قد لا تعدو كونها بالوناً لجس النبض، أو لممارسة الدعاية، إلا أن الدول العربية ما فتئت تبدي اهتمامها المتزايد بفكرة شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية. والمفارقة أن إيران التي تتحدى العالم اليوم ببرنامجها النووي، كانت أول من تقدم باقتراح يقضي بتدشين منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، رغم أن ذلك جرى أيام حكم الشاه الذي كان يحظى بدعم الولايات المتحدة. فقد رعت مصر وإيران قراراً طرحتاه على أجندة الأمم المتحدة في التاسع من ديسمبر 1974 يدعو جميع دول المنطقة إلى الاتفاق على عدم إنتاج الأسلحة النووية، أو السعي إلى امتلاكها. وطيلة العقود التي تلت ذلك تزعمت القاهرة جهود الدعوة إلى إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية لدى الأمم المتحدة. لكن إسرائيل التي حاولت في البداية استخدام ورقة التخلي عن أسلحتها النووية مقابل الحصول على اعتراف الدول العربية تشددت لاحقاً بعدما رفضت الدول العربية الاعتراف بها، واعتبرت المطالب المصرية مجرد محاولة من العرب لإحراج الدولة اليهودية أمام العالم. وفي السنوات اللاحقة قلبت إسرائيل الطاولة على الجميع ورفضت الحديث عن برنامجها النووي بمعزل عن "عملية السلام" وإنهاء فعلي لحالة الحرب. لكن ما المطلوب اليوم لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط؟ يتطلب الأمر أولاً معالجة أربع قضايا أساسية تتمثل في: الجغرافيا والمحرمات والمراقبة والتنفيذ. فالمنطقة المتحدث عنها تشمل المساحة الجغرافية الشاسعة التي تضم جميع الدول العربية المنضوية في الجامعة العربية، بالإضافة إلى إيران وإسرائيل. وستقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإزالة جميع مظاهر التسلح النووي في المنطقة بدءاً من الأسلحة والتكنولوجيا النووية وانتهاء بالمواد الانشطارية التي يمكن استخدامها لإنتاج تلك الأسلحة. وفي هذا الإطار يشكل المثال الليبي في نزع السلاح النووي نموذجاً جديراً بالاقتداء دون أن يعني ذلك منع الوكالة الدولية للأنشطة النووية السلمية بما في ذلك إنتاج الوقود النووي. وسيتولى المراقبة فريق مشكل من الوكالة الدولية، فضلاً عن مفتشين محليين، كما سيتم تعيين مفتشين مقيمين في الدول من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من تطبيق بروتوكولات السلامة مع احتفاظهم بالحق في الكشف عن البرامج النووية غير المُصرح بها، والعمل على إزالتها إن هي لم تحترم قواعد السلامة، أو خرقت قوانين عدم الانتشار النووي. وفي حال فشلت الدولة المضيفة في تصويب الاختلالات الناتجة عن انتهاكها للقوانين سيؤدي ذلك إلى فرض عقوبات على تلك الدولة، قد تمتد إلى استخدام القوة العسكرية تحت إشراف مجلس الأمن. وإذا ما نجحت الاتفاقية في التبلور على أرض الواقع، فإنها ستكون قادرة على لجم الطموحات النووية الإيرانية من خلال إخضاعها لمراقبة الوكالة الدولية. غير أن الدولة التي ستضحي أكثر وفقاً لبنود الاتفاقية الجديدة المرتبطة بخلق منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط ستكون إسرائيل التي سيتعين عليها التخلي عن قدراتها النووية. ويرجع البرنامج النووي الإسرائيلي إلى الخمسينيات من القرن المنصرم عندما أعطى انطلاقته الأولى رئيس الوزراء الأسبق "ديفيد بن جوريون" لتعزيز قوة الدولة اليهودية الوليدة وتعويض هشاشة قدرتها في مجال السلاح التقليدي. لكن التوازن الإقليمي تغير اليوم بعدما أصبحت إسرائيل القوة العسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط، وهو ما يحتم عليها الانخراط في اتفاقية إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة لأن ظهور قوى نووية أخرى يهدد هيمنتها. وبالطبع لا يمكن استثناء إسرائيل من أية منظومة إقليمية تسعى إلى تدشين شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية. ولتهدئة المخاوف الإسرائيلية يمكن ضمها إلى حلف شمال الأطلسي وإرسال قوات التحالف إلى أراضيها، فضلاً عن تقديم الولايات المتحدة لضمانات أمنية منفصلة. وفي هذا السياق تشكل تركيا مثالاً جيداً لأحد أعضاء حلف شمال الأطلسي من خارج أوروبا وأميركا الشمالية، كما أن المهمة التي يقوم بها الحلف في أفغانستان تشير إلى إدراكه بأن مصالحه الأمنية الحيوية تتجاوز التراب الأوروبي. ووضع إسرائيل تحت المظلة النووية الأميركية سيمنحها تطمينات إضافية ويحفزها على التخلي عن أسلحتها النووية ضمن شرق أوسط خالٍ من تلك الأسلحة. ومن المرجح أيضاً أن يدفع هذا التحالف المزدوج لإسرائيل بين حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة إلى انسحابها من بعض الأراضي الفلسطينية والسورية. بينيت رامبورج ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ موظف سابق بالخارجية الأميركية في إدارة بوش الأب، ومؤلف ثلاثة كتب عن الأمن الدولي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"