تبدو الديمقراطية التي كافحت بنجلادش، لعقدين من الزمن من أجل المحافظة عليها وكأنها تواجه واحداً من أصعب اختباراتها هذا الأسبوع. فشوارع العاصمة" دكا" تشبه في الوقت الراهن ميادين المعارك حيث يتبادل المتظاهرون وقوات الأمن إلقاء القنابل المسيلة للدموع وزجاجات "المولوتوف" الحارقة، ما أدى إلى إصابة المئات بجروح قبل أسبوعين تقريباً من انطلاق الانتخابات البرلمانية في 22 من الشهر الحالي. وتشير التقارير الإخبارية إلى أن 60 ألف رجل شرطة يتأهبون الآن للانتشار في مختلف أنحاء البلاد في مهمة أمنية روتينية تسبق الانتخابات وقد منح رؤساء تلك القوات سلطة القبض على أي أحد دون حاجة إلى إذن مسبق من السلطات المختصة. وفي قلب الصدامات العنيفة في الشوارع يكمن صراع على القوة بين الحزبين الرئيسيين في البلاد وهما "رابطة عوامي" و"الحزب القومي البنغالي"، وهو صراع ينتظر أن تشهده الانتخابات القادمة. يذكر أن كافة الجهود الرامية لتحقيق المصالحة بين هذين الحزبين قد فشلت، مما دفع بعض المحللين للقول إن الأزمة السياسية العنيفة الحالية السائدة في البلاد ستزداد تفاقماً خلال الشهور القليلة المقبلة. وعلى رغم أن بنجلادش قد شهدت أربعة انتخابات منذ استعادة الديمقراطية للبلاد عام1991، فإن المحللين يرون أن الحزبين الرئيسيين قد قوضا تلك الديمقراطية الهشة من خلال تسييسهما للقضاء والجهاز البيروقراطي ومؤسسات المجتمع المدني التي تستطيع أن تؤمن تنظيم انتخابات حرة. وتقود "ابطة عوامي" تحالفاً كبيراً يدعو لمقاطعة الانتخابات على خلفية اتهامات وجهتها إلى منافسها اللدود "الحزب القومي البنغالي" تتهمه فيها بتزوير قوائم الناخبين وإضافة أسماء وهمية لتلك القوائم خلال فترة توليه الحكم في البلاد والتي انتهت في أكتوبر الماضي. يذكر في هذا السياق أن هناك دراسة أجراها معهد الديمقراطية الوطنية للشؤون الدولية ومقره واشنطن جاء فيها أنه قد تبين له أن سجلات التصويت في بنجلادش يوجد فيها حوالى 12,2 مليون اسم "خطأ أو مكرر". وفي هذا المعنى يقول "أوين ليبرت" ممثل المعهد المذكور في بنجلادش: "عندما تضم قوائم الانتخابات ثلثي عدد السكان فإن ذلك يثير الشكوك في مصداقيتها". ولم يقتصر الأمر على ذلك حيث توجه "رابطة عوامي" والمتحالفون معها اتهامات مؤداها أن "الحزب القومي البنغالي" وحزب "الجماعة الإسلامية" الديني قاما بزرع بيروقراطيين تابعين لهما في مفوضية الانتخابات، وفي الحكومة المؤقتة التي تم تكليفها بناء على نصوص الدستور البنغالي بإجراء الانتخابات القادمة. وتطالب "رابطة عوامي" بتأجيل الانتخابات حتى يتم إعداد قائمة انتخابية جديدة وحتى تستقيل الحكومة المؤقتة، وهما مطلبان هدد "الحزب القومي البنغالي" بمعارضتهما مهما كان الثمن. وحول هذه النقطة تقول "شيرين مالك" المدعية بالمحكمة العليا وعميدة كلية القانون بجامعة BRAC في دكا: "إن المشكلة تكمن في أن الدستور ينص على أن الانتخابات يجب أن تعقد خلال 90 يوماً من قيام حكومة تصريف الأمور بتولي مسؤولياتها، كما ينص كذلك على نشر قائمة مرشحين كاملة كشرط لعقد تلك الانتخابات". وعلى ضوء هذه الخلفية القانونية يصر حزب "رابطة عوامي" وحلفاؤه على ضرورة تأجيل الانتخابات لتصحيح وتحديث قائمة الناخبين، في الوقت الذي يهدد فيه "الحزب القومي البنغالي" بإثارة الاضطراب إذا لم تقم حكومة تصريف الأمور بعقد الانتخابات خلال مدة التسعين يوماً المنصوص عليها. يقول الدكتور أتاور رحمان المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة دكا: "حتى لو حُلت الأزمة الحالية من خلال المفاوضات، فإننا سنظل نشهد تدهوراً بطيئاً في الديمقراطية في البلاد خلال السنوات القادمة لأن أياً من الأحزاب المتصارعة لا يحمل أي احترام لثقافة الديمقراطية". أما الدكتورة "شيرين مالك" فتذهب إلى أن الأزمة السياسية الحالية في بنجلادش ترجع في جوهرها إلى تغلغل المصالح التجارية في قلب العملية السياسية حيث يضم كل حزب من الحزبين المتنافسين عشرات من رجال الأعمال المتنفذين الذين يتطلعون إلى تولي حزبهم للسلطة كي يستطيعوا الفوز بصفات مغرية. مهتاب حيدر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في دكا- بنجلادش ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"