بعد أن تولت "نانسي بيلوسي" مهام منصبها رسمياً، فإنه قد يلزم التذكير بما قالته خلال السباق الانتخابي للكونجرس عام 2006، والذي خاضته كنائبة عن ولاية كاليفورنيا لتفوز بمنصب رئيسة مجلس النواب الأميركي، وبذلك أصبحت أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ الكونجرس. خلال السباق الانتخابي قالت بيلوسي إنها ستركز على كل يوم من الحملة كوحدة قائمة بذاتها، قبل أن تنتقل منه إلى اليوم الذي يليه، ولكن الذي حدث أن هذا الإطار الزمني سرعان ما تغير (من يوم لمئة ساعة)، بحيث يكون ملائماً لتحقيق رؤيتها الطموحة لما يتعين على حزبها "الديمقراطي" تحقيقه خلال تلك الفترة المبكرة من عمر الكونجرس في تشكيلته الجديدة. واليوم فإن بيلوسي مطالبة ليس فقط بالوفاء بوعودها، وإنما أيضاً بأن تفعل ذلك وسط حالة من الاضطراب العام وصراعات القوى، بل وحتى رائحة الطلاء الجديد التي تنتشر في أرجاء الكونجرس. وكانت بيلوسي قد تعهدت بأن ساعات العمل المئة الأولى في الكونجرس رقم 110 في تاريخ الولايات المتحدة، ستشهد تمرير إجراءات مثل قواعد الإصلاح الأخلاقي، وزيادة الحد الأدنى للأجور، و إجراءات الإنفاق، وزيادة نطاق الإنفاق الفيدرالي المتعلق بأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، وتخفيض معدلات الفائدة على القروض الممنوحة للطلاب، وتبني التوصيات المقدمة من لجنة الحادي عشر من سبتمبر، والتغيرات المتعلقة بالسماح لهيئة الرعاية الصحية بالتفاوض مباشرة مع الصيدليات بشأن أسعار الأدوية والعقارات، وتقليص الاعتماد على النفط الأجنبي. ومن المنتظر أن تواجه رئيسة مجلس النواب والقيادة الديمقراطية والمشرعين الجدد، تحدياتٌ عملية فيما يتعلق بتناول بنود هذه القائمة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن شهر يناير بالنسبة لأي عضو جديد في الكونجرس غالباً ما يضيع في جلسات أداء القسم وترتيب شؤون الدائرة الانتخابية، بل وربما السفر إلى الخارج حتى يحين موعد قيام الرئيس بإلقاء خطاب "حالة الاتحاد" في آخر الشهر. وبالنسبة للأعضاء الجدد أيضاً، فإن الأسابيع القليلة الأولى غالباً ما تتصف بعدم الاستقرار حيث يتم تخصيصها عادة لتحديد المناصب والتعاقد مع الأطقم الوظيفية في واشنطن وفي الدوائر الانتخابية للنواب. فبعد الفوز الذي يحققه العضو في الانتخابات، يجد نفسه بعد ذلك مشغولاً بالبحث عن دار لإقامته في واشنطن، بل وتغيير محل إقامة عائلته من ولايته الأصلية إلى واشنطن. كما تشهد هذه الفترة أيضاً تحديد المهام، وتحديد تشكيلات اللجان الحزبية والوفود... كما يستغل النواب الجدد هذه الفترة في تعلم المهارات العملية والإدارية التي سيكونون بحاجة إليها عندما تبدأ عملية صوغ التشريعات والقوانين. وتشمل هذه المئة ساعة الأولى تجربة قيام النواب الجدد بإلقاء كلماتهم الرسمية الأولى في المجلس الجديد، وهي مناسبة يتذكرها كل عضو جديد ولا ينساها أبداً لأنها تمثل أول ممارسة عمليه له. وقد قامت رئيسة مجلس النواب الجديدة ببعض الإجراءات الهادفة إلى توليد الثقة وحسن النية بين أعضاء المجلس، وذلك حين قررت منح رواتب انقطاع عن العمل لطواقم الموظفين الذين كانوا يعملون مع "الجمهوريين"، كما سعت إلى المحافظة على الاستمرارية من خلال استبقاء طاقم موظفي المكتب البرلماني والموظفين الإداريين، بمن فيهم وظيفة مأمور التنفيذ أي الموظف المسؤول عن متابعة تنفيذ الأوامر التي يصدرها المجلس، وكذلك استبقت وظيفتي مدير القلم ومؤرخ المجلس. ويتضح مغزى هذا الإجراء إذا عرفنا أنه في عام 1994، وعندما تم تعيين "نيوت جنجريتش" رئيساً لمجلس النواب، قام بالاستغناء عن خدمات الجميع باستثناء الموظفين البرلمانيين، وهو ما يعني أن الرئيسة الجديدة للمجلس تحمل احتراماً للهيكل الإداري الحالي للمجلس. والأكثر من ذلك أنها مدت يدها لـ"جون بويهنر" النائب "الجمهوري" عن ولاية أوهايو ورئيس الأغلبية السابق في المجلس، عارضة عليه التعاون في العديد من الموضوعات الانتقالية؛ كجدول الأعمال وتثبيت برنامج أوراق الكونجرس. وفي الحقيقة فإن موقف بيلوسي يعكس تفهمهاً لحقيقة أن بلوغ أي تقدم يعتمد على التعاون بين الحزبين، حتى وإن كان البعض يرون في ذلك محاولة للاستفادة من تدني شعبية بوش، والرغبة المتوقعة من بعض المشرعين "الجمهوريين" في النأي بأنفسهم عن البيت الأبيض. وتكتسب هذه النقطة أهميتها من اقتراب السباق الانتخابي لعام 2008، وسعي "الديمقراطيين" إلى تصميم حملاتهم الانتخابية بحيث تكون معارضة للأجندات التي أدت للورطات الحالية التي يجد البيت الأبيض نفسه فيها، سواء داخلياً أم خارجياً. والحقيقة أن الكونجرس الجديد لو تمكن من تمرير المقترحات الخاصة في المئة ساعة الأولى من عمره، فإن بيلوسي ستكون قد نجحت في وضع تلك المقترحات على كاهل بوش، وفي هذه الحالة سيجد الرئيس الأميركي نفسه في موقف لا يحسد عليه: فإما أن يوقع على تلك المقترحات، وفي هذه الحالة فإن انتصار بيلوسي سيكون كاملاً، أو أن يرفض التوقيع عليها فيظهر في تلك الحالة كرئيس رديء يرفض مقترحات تتمتع بدعم وقبول جماهيري معقول. ويقول بعض المراقبين إن الخيار الثاني، أي رفض تلك المقترحات، سيمثل نجاحاً لحزمة الساعات المئة الأولى المقدمة من بيلوسي حيث إن ذلك الرفض سيُظهر الفرق بين "الديمقراطيين" و"الجمهوريين"، كما سيظهر أن بوش ينطلق من أجندة حزبية غير مرنة. وإذا ما أخذنا انتخابات 2008 في الحسبان فإنه يمكننا القول إن حزمة الساعات المئة الأولى لبيلوسي، قد تبين أنها لم تكن حزمة تسعى لتحقيق فوائد شخصية آنية، بقدر ما كانت بشيراً بمكاسب أكبر ستأتي. ـــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"