في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي حديث صحفي أجراه معه "بوب وودورد" من صحيفة "واشنطن بوست"، اعتبر الرئيس الأميركي السابق "جيرالد فورد" أنه منذ التوتر الذي دام نحو أربعين عاماً مع الاتحاد السوفييتي، اضطر الرؤساء الأميركيون إلى مواجهة "الحكومات المتمردة" و"نوع مختلف من الأعداء". وكان "جيرالد فورد"، وصل إلى البيت الأبيض في وقت كان يُنظر فيه إلى عدو الولايات المتحدة على أنه ديماغوجي يثير بلدان العالم الثالث ويلهب مشاعرها أكثر منه قوة نووية. ويبدو أن أكثر ما أثار امتعاض "فورد" هو اكتشافه لحقيقة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "السي آي إيه"، كانت ضالعة في مؤامرات لاغتيال عدد من زعماء العالم "اليساريين" خلال فترات حكم كل "دوايت أيزنهاور"، و"جون كيندي"، و"ليندون جونسون"، و"ريتشارد نيكسون". حيث حيكت مؤامرات بلغت مراحل مختلفة من التنفيذ في حق كل من الزعماء "تروخيلو" من جمهورية الدومينيكان، و"سلفادور أليندي" من تشيلي، و"نغو ديندايم" من فيتنام الجنوبية، و"لومومبا" من الكونغو، و"سوكارنو" من إندونيسيا، "ودوفالييه" من هاييتي، وبطبيعة الحال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، وهي المؤامرة التي لجأت فيها "السي آي إيه" إلى المافيا. ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن "فورد" نفسَه لم يعلم بهذه المؤامرات إلا بعدما طلب رؤية نسخة من تقرير داخلي حول تداعيات قضية "ووترغيت" من إعداد المفتش العام لـ"السي آي إيه"، وكان أمر به مدير الوكالة "جيمس شليزينجر". وقد غطى تقرير المفتش العام، والمعروف داخلياً بـ"حلي العائلة"، الأعمال غير القانونية التي قامت بها "السي آي إيه" من قبيل إجراء تجارب الأدوية على أشخاص لا يعلمون بها، ومراقبة الأميركيين المناهضين للحرب، على أن أكثر المواضيع التي تضمنها التقرير سخونة كانت المؤامرات التي حيكت ضد الزعماء الأجانب. وفي رد فعله، عين الرئيس "فورد" لجنة خاصة تضم في عضويتها شخصيات سياسية مؤثرة برئاسة نائب الرئيس آنذاك وهو "نيلسون روكفيلر" من أجل التحقيق في الأمر؛ كما عبر صراحة في أحد المؤتمرات الصحافية عن معارضته للاغتيالات قائلاً: "إنني أعارض معارضة تامة الاغتيالات السياسية". غير أنه بعد تصاعد الاحتجاجات التي اعتبرت أنه لا يمكن الوثوق بهيئات تنتمي إلى النظام من أجل إعداد تقرير صريح، قرر الرئيس "فورد" إحالة التحقيق على وزارة العدل ولجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ التي يرأسها "فرانك تشورش". ومنذ ذلك الوقت، حظر المرسوم الرئاسي الذي وقعه "فورد" على موظفي الحكومة الأميركية المشاركة في الاغتيالات السياسية أو التآمر من أجل المشاركة فيها. غير أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سرعان ما أصدر الرئيس بوش مرسوماً يوفر استثناءات لحظر عمليات الاغتيال التي تستهدف زعماء المجموعات الإرهابية المعروفين في حال تعذر اعتقالهم. وهو ما يجعل من المرسوم الرئاسي رقم 11905 القاضي بحظر الاغتيالات السياسية، والذي أصدره الرئيس "فورد" وجدده الرؤساء الأميركيون من بعده، غير ذي قيمة كبيرة بعد اليوم. دانيل شور كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"