يُعقد في القاهرة في شهر مارس القادم، المؤتمر الإقليمي لمناهضة العنف ضد الأطفال، تحت رعاية "المجلس القومي للطفولة والأمومة"، والذي تترأسه السيدة سوزان مبارك. ويأتي انعقاد هذا المؤتمر بمناسبة إصدار النسخة العربية لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول مناهضة العنف ضد الأطفال، والذي يقوم المجلس بترجمته إلى العربية، كي يصبح متاحاً لبقية الدول والمنظمات العربية العاملة في هذا المجال. ويعتبر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة هو الأول من نوعه، والأكثر شمولية على الإطلاق، في بحث وتحليل جميع أشكال العنف ضد الأطفال على مستوى العالم. وقد تم تنظيم وتقسيم هذا التقرير وفقاً للنموذج الذي اعتمد سابقاً في دراسة أخرى شهيرة صدرت عن الأمم المتحدة عام 1996، وعنيت بتأثير النزاعات المسلحة على الأطفال (Impact of Armed Conflict on Children). ويتوافق التقرير الأخير أيضاً مع تقرير آخر مهم صدر عام 2002 عن منظمة الصحة العالمية -إحدى منظمات الأمم المتحدة- بعنوان: "التقرير العالمي عن العنف والصحة" (World Report on Violence and Health). فبخلاف أن العنف ضد الأطفال، وخصوصاً في العقد الأول من الحياة، يعتبر مشكلة صحية خطيرة، يؤدي هذا العنف إلى العديد من المشاكل الصحية في المراحل اللاحقة من الحياة. ففي دراسة حديثة صدرت عن منظمة الصحة العالمية، ظهر أن العنف ضد الأطفال وخصوصاً الاعتداء الجنسي، يعتبر مسؤولاً عن 6% من جميع حالات الاكتئاب بين البالغين، وعن 6% من إدمان الكحوليات والمخدرات، وعن 8% من محاولات الانتحار، وما بين 10% إلى 27% من الاضطرابات النفسية المختلفة. بينما أظهرت دراسات أخرى، وجود علاقة قوية بين العنف البدني والاعتداء الجنسي على الأطفال، وبين العديد من السلوكيات الصحية الضارة، مثل التدخين الشره، والسمنة المفرطة، والاستهتار في ممارسة العلاقات الجنسية، وهي السلوكيات المعروف عنها زيادة الإصابة بأمراض خطيرة، مثل الأمراض السرطانية وأمراض القلب والشرايين. ولن يتسع المقام هنا لاستعراض جميع فصول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والذي يتضمن في ما يتضمن: العنف ضد الأطفال في المنزل والمدرسة وأماكن العمل، وفي المؤسسات العقابية، وغيرها من المواضيع التي تصب مباشرة في هذه الظاهرة. ولذا سنستغل المساحة المتاحة هنا، فقط لاستعراض توصيات منظمة الصحة العالمية لمنع ووقف العنف ضد الأطفال. بداية، تعتمد هذه التوصيات على تقسيم العنف ضد الأطفال إلى نوعين: النوع الأول يتعرض له الأطفال منذ ولادتهم، وحتى سن الرابعة عشرة، وينتج في الغالب عن الآباء أو الأشخاص المسؤولين عن رعاية هؤلاء الأطفال. أما النوع الثاني، فيتعرض له المراهقون ما بين سن الخامسة عشر ةوالثامنة عشرة، ويحدث ضمن منظومة من العنف المجتمعي، تطال بقية أفراد المجتمع أيضاً. هذان النوعان من العنف، يمكن منعهما، من خلال مواجهة الأسباب وعوامل الخطر الخاصة بكل نوع. في النوع الأول، والذي يحدث من الآباء والقائمين على الرعاية، يمكن منع العنف ضد الأطفال من خلال الإجراءات والتدابير التالية: 1) منع حدوث الحمل غير المرغوب فيه. 2) خفض أو وقف استخدام الكحوليات والمخدرات أثناء الحمل. 3) خفض أو وقف استخدام الكحوليات والمخدرات في الشهور والسنوات الأولى من حياة الطفل. 4) توفير مستوى جيد من الرعاية الصحية، قبل وبعد الولادة. 5) توفير زيارات منزلية من قبل ممرضة وأخصائي اجتماعي، للعائلات التي يعتقد أن أطفالها قد يتعرضون للعنف من قبل آبائهم. 6) توفير تدريب للآباء على مراحل نمو الطفل، وأساليب التربية بدون عنف، وكيفية حل المشاكل دون اللجوء لاستخدام القوة. والملاحظ أن بعض هذه النصائح والتدابير، ينطبق أكثر على المجتمعات الغربية، التي ينتشر فيها الحمل غير المرغوب فيه، واستخدام الكحوليات والمخدرات، مقارنة بالمجتمعات الشرقية. وهذا لا يعني أن مجتمعاتنا لا تعاني هي الأخرى من ظاهرة العنف ضد الأطفال، وإن كانت الأسباب والأشكال تختلف. وهو ما يتطلب ضرورة قيام المنظمات الطبية والاجتماعية المحلية، بوضع إرشادات تتناسب مع ظروفنا الخاصة. هذا الوضع ينطبق أيضاً على المراهقين ما بين سنَّيْ الخامسة عشرة والثامنة عشرة، حيث تنطبق الإجراءات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية على ظروف المجتمعات الغربية بشكل أكبر. من هذه التوصيات:1- منع وتحديد استخدام الأسلحة النارية. 2- منع وتحديد توفر الكحوليات، وتطبيق القوانين الخاصة بها بشكل حازم. 3- مساعدة المراهقين المنحرفين على إكمال دراستهم. 4- تدريب المراهقين على مهارات عملية تقيهم من الوقوع ضحية للحاجة وللعنف. ولكن بغض النظر عن مدى درجة انطباق هذه النصائح على مجتمعاتنا، يظل الهدف الأساسي من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، هو إظهار مدى تفشي ظاهرة العنف ضد الأطفال في المجتمعات المختلفة. وبما أن هذه الظاهرة تأخذ أشكالاً متباينة ومتنوعة من مجتمع إلى آخر، يجب على الجهات المحلية الوصول إلى الإجراءات والتدابير التي تتفق مع ظروفها الخاصة. فعلى سبيل المثال، تسعى اللجنة المنظمة لمؤتمر القاهرة، إلى تفعيل خطة عمل وطنية، تركز علي حماية أطفال الشوارع والأطفال المعرضين للخطر في القاهرة والمدن الكبرى الأخرى، من خلال إنشاء آلية للرصد والمتابعة للوقاية والتدخل المبكر‏. كما تتضمن الخطة برنامجاً لإعادة تأهيل وإدماج أطفال الشوارع، وبناء قاعدة بيانات شاملة عنهم، وإعداد الكوادر المؤهلة للتعامل معهم، وتعبئة الموارد الوطنية لتمويل برامج الحماية والتأهيل لهؤلاء الأطفال‏.‏