في بداية العام الجديد، التحق بالاتحاد الأوروبي 28 مليون شخص آخرون. والواقع أن انضمام رومانيا وبلغاريا إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي حدثٌ يدعو للاحتفال في شوارع بوخارست وساحات صوفيا؛ ذلك أن عضوية الاتحاد بالنسبة لبلدين من أكثر بلدان أوروبا فقراً تعني ما لا يعد من المزايا ليس أقلها تشييد البنية التحتية والمنح والسفر بدون قيود وتعزيز المكانة الدولية وتكريس القطيعة مع الماضي السوفييتي. غير أن ذلك يعني أيضاً بالنسبة للكثير من الأوروبيين –في باريس ودبلن وبروكسل وربما حتى في بوخارست وصوفيا نفسهما- ضم 3 ملايين من المشاكل الممكنة، أي المزيد من الغجر. ففي أسبوع حمل معه أيضاً بشرى إعلان 2007 "السنةَ الأوروبية لتكافؤ الفرص"، ما زالت كلمة "الغجر" تحمل بين طياتها شحنة سلبية، حتى بين أولئك الذي تنسحب عليهم، أي الغجر. والغجر قومٌ تعود جذورهم العرقية والثقافية إلى الهند القديمة، يعيشون اليوم في عدة بلدان عبر العالم، ولاسيما أوروبا؛ إذ يقدر عددهم في العالم بما بين 12 مليوناً و14 مليوناً، يوجد نحو 10 ملايين منهم في أوروبا وحدها. والحال أن محرري الصحف الأوروبية يبدون في حيرة من أمرهم إزاء كيفية التعامل مع أكبر أقلية في القارة؛ كما أن الكثير من عمد المدن في أوروبا الشرقية يتحاشون استعمال الكلمة، مؤثرين التحدث بدلاً من ذلك عن "تبييض" مدنهم الداخلية. والحال أنه إذا كان ثمة مجتمع يعترف بنفسه، ولا يتوانى عن انتقاد نفسه، بخصوص كيفية تعامله مع المقموعين والمقهورين، فمما لاشك فيه، والحالة هذه، أن المحك الحقيقي بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لكي يثبت أنه جدير بصفة ذلك المجتمع، يتمثل في كيفية تعامله الحالية مع الغجر. إذ يمكن العثور عليهم في مشاريع الإسكان بباريس، وفي محيط المزابل المزكمة للأنوف في كوسوفو، وبالأحياء الهامشية في أطراف المدن شرق سلوفاكيا، والشوارع الخلفية في البلدات البولندية القديمة. صحيح أن لكل مكان من هذه الأمكنة سكانه –القلائل أحياناً؛ إلا أنه عندما ينظر إلى الصورة في شموليتها، يُلاحَظ أن هذه المجموعات تشكل فسيفساء ثقافية عملاقة، فسيفساء تميل عموماً نحو الفقر. ثمة بطبيعة الحال أطباء وشعراء وأساتذة غجر وغيرهم من المثقفين ممن يدعون إلى عهد جديد من الوعي، ويشيرون إلى إسهامات الغجر في الفنون والسياسة والموسيقى على يد شخصيات تنحدر من أصول غجرية من أمثال "بابلو بيكاسو"، و"بوب هوبكينز"، و"شارلي شابلن"، وأسطورة "الفلامينكو" كارمن أمايا، بل وحتى الرئيس كلينتون. غير أن التوصيفات القديمة الملتصقة بهم مثل الكذب والغش والسرقة وخرق حظر التجول ما زالت مستمرة وقائمة إلى يومنا هذا. يقول "إيان هانكوك"، الأستاذ الغجري بجامعة تكساس: "إن التوصيف المستمر للغجر وتقديمهم على أنهم شعب لا جذور له ولا أخلاق، يسرق ويخرق القانون، سيضمن استمرار هذه الأفكار الجاهزة المعادية للغجر باعتبارها جزءاً من المواقف الأوروبية- الأميركية". وقد دعا المفكرون مثل "إيان هانكوك" الحكومات والشعراء والصحافيين والنشطاء والجمهور العام إلى أن يتذكروا أن الغجر، وعلى غرار الأميركيين الأفارقة، لطالما عانوا العبودية في أوروبا الوسطى إلى عهد قريب، أي إلى ما قبل 150 عاماً فقط؛ وأن المحرقة النازية أتت على الكثير منهم. والواقع أن هذه الأحداث التاريخية وغيرها هي القصة التي ينبغي أن تتطور إلى قدر أكبر من الفهم إذا كنا نحرص على أن يُنظر إلى الثلاثة ملايين غجري من بلغاريا ورومانيا الذين انضموا هذا الأسبوع إلى الاتحاد الأولى على أنهم "غجر فحسب". يقول الروائي "ميلان كونديرا" إن "صراع الإنسان مع السلطة هو صراع الذاكرة ضد النسيان". والواقع أن الكثير من تاريخ الغجر مازال يطويه النسيان المتعمد؛ غير أن ذلك لا يعني أن أوروبا أو أميركا لا تكترثان بالأمر –حيث تنكب العشرات من المؤتمرات والمنظمات غير الحكومية على بحث "المسألة الغجرية" ودراستها في العواصم العالمية كل عام- غير أن الموقف العام ما زال يُذكر بالنكتة السلوفاكية القديمة: "ما هو صغير وداكن وقذر ويدق على الباب؟"، الواقع أن الجواب ليس هو المستقبل، وإنما الماضي أيضاً. كولم ماكان ـــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"