يشير تعيين الليفتنانت جنرال "ديفيد إتش. بتريوس" قائداً أعلى للقوات الأميركية في العراق، إلى انعطاف مهم في استراتيجيات واشنطن وسياساتها إزاء العراق. فبصفته من أنصار زيادة عدد القوات هناك، ثمة توقعات بأن يدعم "بتريوس" فكرة إرسال خمسة ألوية إضافية في خطة تستهدف التوسيع السريع لعملياتنا وقواتنا في العراق، خلافاً لسلفه الجنرال "جورج كيسي"، الذي لم يخفِ شكوكه مطلقاً في أن تسفر زيادة عدد القوات، عن تحقيق المزيد من الأمن والاستقرار هناك. وعقب إطلاعه على آخر مسودة من تحديث الكتيب المرشد لمقاومة عمليات التمرد في العراق، فإن من المتوقع أن يعمد "بتريوس" إلى تغيير أسلوب تنفيذ العمليات العسكرية نفسها في بغداد. وبموجب هذا التغيير المرتقب، فإنه يتوقع للقوات الأميركية أن تتخذ لها مواقع في بعض الأحياء والضواحي المحيطة بالعاصمة، بدلاً من حصر عملياتها في الدوريات المحدودة الحالية التي تجريها انطلاقاً من قواعدها شديدة التحصين داخل المدينة وما حولها. وربما تشمل التغييرات أيضاً، الهدف الرئيسي للعمليات العسكرية الأميركية في العراق. ذلك أن جهود هذه العمليات في ظل الجنرال السابق "كيسي"، كانت تنصب على نقل المسؤوليات والمهام الأمنية إلى قوات الأمن العراقية، حتى تتمكن قواتنا من الانسحاب التدريجي من العراق. أما الآن، فإن المتوقع أن يتمحور هدف العمليات هذه حول حماية قواتنا للمدنيين العراقيين، ضد خطر النزاع الطائفي وهجمات المتمردين. ومنذ الإعلان رسمياً عن تعيينه يوم الخميس الماضي، لم يصرح الجنرال "بتريوس" مطلقاً بما يفيد عن الخطط التي سيتبناها هناك. غير أن عقيدته العسكرية التي يبشر بها، تشير إلى رغبته في إرسال الألوية القتالية الخمسة الإضافية، بأسرع ما يمكن إلى العراق، خلافاً لوجهة النظر الأخرى التي ترى بدء الإرسال التدريجي للألوية نفسها. وقبل اختيار الجنرال "بتريوس" لهذا المنصب، كانت قد ثارت الشكوك حول ما إذا القائد الذي سيتولى مسؤولية قيادة قواتنا هناك، سيبدي حماساً لتنفيذ الاستراتيجية الجديدة التي يعتزم الرئيس بوش الكشف عنها خلال الأسبوع المقبل، أم لا؟ يذكر أن هذه الاستراتيجية ترمي لإرسال نحو 20 ألف جندي أميركي إضافي إلى العراق. لكن وبعد تعيين "بتريوس"، فقد أصبح للبيت الأبيض عراب متحمس وقادر على صوغ تلك الاستراتيجية وتنفيذها. ولذلك فإن "بتريوس" يعد مكسباً ثميناً لإدارة عقدت العزم على مناهضة الرأي العام الأميركي الرافض لزيادة عدد قواتنا هناك، وشمرت عن ساعد الجد لمضاعفة مسؤولياتها ومهامها العسكرية في العراق. وفي حين شدد بعض المشرعين "الديمقراطيين" على ضرورة تحديد أية زيادة جديدة لعدد قواتنا هناك، بمدة زمنية لا تتجاوز بضعة أشهر فحسب، فإن المتوقع ألا يقر البيت الأبيض، ولا الجنرال "بتريوس" أي اتجاه كهذا في الاستراتيجية الجديدة المرتقبة. وبالنسبة للكثير من المدنيين الأميركيين، تبدو المؤسسة العسكرية لبلادهم موحدة في الظاهر، بيد أن حواراً متشعب الأطراف يدور داخلها في الخفاء، حول الاستراتيجية الأمثل لتنفيذ الأهداف التي شُنت من أجلها الحرب على العراق، أو الحفاظ على قدر معقول من الاستقرار الأمني هناك، على أقل تقدير، خاصة مع تصاعد خطر النزاع الطائفي الذي بات يهدد البلاد بأسرها. وفي جانب من هذا الحوار، يقف الجنرال "كيسي" وزميله الجنرال "جون أبي زيد"، قائد القيادة المركزية الأميركية، وكذلك الجنرال "مارتن ديمبسي" المسؤول عن تدريب القوات الأمنية العراقية. ويرى هؤلاء الجنرالات ثلاثتهم، العمل على نقل مسؤوليات ومهام الأمن العراقي للقوات الوطنية المحلية، تمهيداً للتقليص التدريجي لعدد القوات والقواعد العسكرية الأميركية المرابطة هناك، حسبما تسمح به الظروف. أما الحجة التي يستندون عليها في رأيهم هذا، فهي أن التوسع طويل الأمد لمهامنا العسكرية في العراق، سيبطئ أو يحول دون تولي العراقيين أنفسهم لمسؤولية أمن بلادهم. وفي الجانب الآخر من الحوار، يساند عدد من الضباط والقادة العسكريين، فكرة إرسال المزيد من القوات والتعزيزات للعراق، مصحوبة بتعزيز الجهود الاقتصادية، وهي الوسيلة الأفضل في نظرهم لتطبيق عقيدة مكافحة خطر التمرد وتحقيق الاستقرار الأمني. ولا سبيل لإحراز أي تقدم في تحقيق هذا الاستقرار، إلا عند بلوغ اللحظة التي لا يشعر فيها العراقيون بحاجتهم لحماية المليشيات الطائفية أو الجماعات المتمردة، وإلا حين يشعر غالبية العراقيين بأن حاجاتهم الاقتصادية والمعيشية الأساسية، مستجابة وملباة. وعلى رغم إقرار هؤلاء القادة والضباط بضرورة الاستمرار في تدريب وتأهيل القوات العراقية، كأولوية لا سبيل للتغاضي عنها، لا يتوقع البعض أن تضطلع هذه القوات بدورها ومسؤوليتها الأمنية بالسرعة التي يتخيلها البعض. يذكر أن الجنرال "بتريوس"، يعد في مقدمة المدافعين عن وجهة النظر هذه، على نحو ما أظهره كتيب المرشد الميداني لعمليات مكافحة التمرد العراقي الأخير. يُشار أيضاً إلى أنه قد سبق للولايات المتحدة أن سعت لتطبيق الدروس الأساسية المستفادة من عمليات مكافحة التمرد في العاصمة بغداد، لاسيما تلك المستقاة من عملية "معاً إلى الأمام 2" التي شكلت المرحلة الثانية من جهود بدأتها الولايات المتحدة في موسم الصيف الماضي، بغية خفض معدلات العنف في بغداد. غير أن تلك الجهود باءت بالفشل نتيجة لعجز الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في السلطة الوطنية العراقية، عن توفير ما يكفي من القوات للسيطرة على الضواحي والمناطق المجاورة لبغداد، التي كان قد سبق إخلاؤها وتنظيفها من المتمردين والمليشيات المعادية، مضافاً إليه عجز السلطات العراقية عن القيام بمهامها، وعن تنفيذ برامج إعادة الإعمار التي قصد منها كسب قلوب العراقيين وقلوبهم. لكن وفيما يبدو الآن، فقد عقد الرئيس بوش العزم على زيادة وتوسيع مهام قواته هناك. على أن ذلك لا يغني أميركا عن التسليم بحقيقة الواقع السياسي العراقي، بما فيه غلبة الطائفة الشيعية على أجهزة الحكم، وهي غلبة يهيمن عليها الطابع الطائفي الإقصائي، أكثر من الوحدوي، بكل ما يثير ذلك من نعرات ومشاعر غبن لدى الطوائف والكيانات العراقية الأخرى. وليس ذلك فحسب، بل إن هذا الواقع نفسه، لا يبدي حماساً يذكر لتوسيع الدور الأميركي هناك، سواء تقلص هذا الدور أم اتسع. مايكل آر. جوردون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل عسكري في صحيفة "نيويورك تايمز" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"