هل بينكم من يتذكر الحملة الدولية من أجل حظر الألغام؟ من لا يتذكر تلك الحملة، سنذكره هنا بأنها هي تلك الحملة التي نالت جائزة نوبل للسلام عام 1997؟ وهل بينكم من يتذكر الرحلات التي قامت بها الأميرة الراحلة "ديانا سبنسر" إلى مناطق حقول الألغام في البوسنة وأنجولا؟ نحن نتذكر. فبصفتنا الرسمية كمسؤولين رسميين في وزارة الخارجية الأميركية خلال الفترة التي شهدت ذروة أزمة الألغام العالمية في عقد التسعينيات من القرن الماضي، فإننا شاهدنا على الطبيعة الخسائر البشرية الكبيرة التي حدثت نتيجة لحوادث انفجار ألغام في هندوراس والسلفادور والصومال وموزنبيق، وأفغانستان، وكمبوديا. علاوة على ذلك، فإننا شاركنا أيضاً في الجدل المحتدم الذي شهدته أروقة الحكومة الأميركية بشأن ما إذا كان يتوجب علينا الانضمام للجهود الرامية لحظر تلك الألغام القاتلة الخفية أم لا. لقد مضت الآن عشر سنوات كاملة منذ أن تم التوقيع على "معاهدة أوتاوا" التي تحرِّم استخدام الألغام المضادة للأفراد. وعلى رغم أن هناك تقدماً كبيراً قد تحقق بشأن حظر استخدام الألغام خلال هذه الفترة، فإنه لا تزال هناك حاجة -خصوصاً من قبل الولايات المتحدة- للقيام بمبادرة جديدة لنقل العالم إلى مستقبل آمن يخلو تماماً من تلك الألغام. يذكر أن هناك 38 دولة توقفت بالفعل عن إنتاج الألغام، وأنه لم يعد هناك الآن سوى حفنة من الدول التي لا تزال تنتج الألغام حتى لحظتنا هذه، إلى درجة يمكن معها القول إنه قد أصبح هناك نوع من الحظر الفعلي على إنتاج الألغام المضادة للأفراد. وتكتمل الصورة، إذا ما عرفنا أنه قد تم بالفعل تدمير 40 مليون لغم من الألغام المخزونة في ترسانات العديد من الدول، وأنه قد تم تطهير مساحات قياسية من حقول الألغام العام الماضي، وأن هناك عدداً من الدول قد تم إعلانها كدول خالية من الألغام. هذه أخبار طيبة بالفعل، ولكنها يجب ألا تنسينا أن هناك عشرات الملايين من الألغام التي لا تزال مزروعة في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية وتمثل تهديداً يومياً، وتتسبب في حدوث خسائر بشرية هائلة (في 80 دولة على أقل تقدير). وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن هناك عدداً يتراوح ما بين 15 إلى 20 ألف شخص يلقون حتفهم أو يصابون بإعاقات وعاهات مستديمة بسبب استخدام هذا السلاح غير الإنساني الذي يقتل البشر بلا تمييز. ومن المؤسف أن تلك الإحصائيات تشير أيضاً إلى أن واحداً من بين كل خمسة من هؤلاء المصابين هو من الأطفال، وأن عدداً متنامياً من الأشخاص الذين ينجون من الموت من الألغام –نصف مليون في آخر إحصاء– يفقدون عضواً أو أكثر من أعضائهم جراء ذلك مما يضطرهم إلى تركيب أعضاء اصطناعية ومواصلة حياتهم التعسة بمعاناة بعد ذلك. يشار إلى أن هناك 150 دولة قد انضمت بالفعل إلى معاهدة "أوتاوا"، إلا أن الولايات المتحدة للأسف ليست من ضمن هذه الدول. ويرجع السبب في ذلك إلى أن الرئيس السابق "بيل كلينتون" قد قبل عام 1997 بالحجة التي قدمها له الجنرالات الأميركيون وهي أن جيشهم بحاجة إلى إنتاج ألغام مضادة للأفراد لحماية جنوده من القتل أثناء المعارك والحروب التي يخوضونها بالخارج. ولكن عندما وافق كلينتون على ذلك قام في ذات الوقت بإصدار أوامره للبنتاجون بضرورة البدء في إجراء البحوث والدراسات اللازمة لتطوير سلاح بديل يحل محل الألغام الأرضية، على أن تقوم الولايات المتحدة بعد ذلك بالانضمام لمعاهدة "أوتاوا". وعندما جاء بوش إلى البيت الأبيض، تناسى ما كان سلفه كلينتون قد وعد به بشأن الانضمام إلى تلك المعاهدة على رغم سماحه باستمرار البحوث الرامية إلى التوصل إلى إنتاج سلاح بديل للألغام، والتي تمكنت في نهاية المطاف من تحقيق نتائج واعدة. فبعد أن أنفقت "البنتاجون" قرابة 320 مليون دولار على تلك البحوث، تمكنت في نهاية المطاف من تحقيق ما يمكن وصفه بأنه اختراق. وقد تمثل هذا الاختراق في سلاح جديد يحمل اسم "سبايدر" (أي العنكبوت) يتمتع بالقدرة على إنجاز أي مهمة حماية للقوات العسكرية بشكل أفضل مما كان يتحقق عن طريق الألغام القديمة المضادة للأفراد، علاوة على أنه يتماشى في الوقت ذاته مع الشروط المحددة في اتفاقية "أوتاوا". وجهاز "سبايدر" مزود بخاصية تمكنه من التحكم في أي نوع من أنواع الذخيرة بواسطة مشغل بشري. ونظراً لأن السلاح يتم التحكم فيه بواسطة بشر فإن ذلك يساعد على تجنب كافة الأخطار الممكنة التي يمكن أن تطال المدنيين الأبرياء كما كان يحدث من قبل في الألغام المضادة للأفراد. ومعنى هذا واضح وهو أن الولايات المتحدة قد أصبحت في وضع يمكِّنها من حماية جنودها ويسمح لها في الوقت ذاته بالانضمام إلى اتفاقية "أوتاوا". يذكر في هذا السياق أن هناك عضوين من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي هما السيناتور "باتريك ليهي" و"أرلين سبيكتر" يدعوان منذ وقت طويل للتخلص من كافة الألغام الموجودة في الترسانة العسكرية الأميركية. ومن المناسب في الظروف الحالية أن تتعاون إدارة بوش مع هذين العضوين للاستفادة من ذلك الإنجاز الذي تحقق في مجال تقنية الألغام وإعادة الولايات المتحدة مرة أخرى على الطريق الموصل إلى توقيع اتفاقية "أوتوا" المتعلقة بحظر الألغام. وصدور قرار من بوش في العام الجديد بالانضمام رسمياً للحظر العالمي على الألغام سيكون كفيلاً بتقديم قوة الدفع والزخم الدولي اللازمين للقيام بمجهود عالمي أوسع من أجل جعل تلك الاتفاقية اتفاقية عالمية ملزمة على أوسع نطاق. كارل إف. إندرفيرث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الممثل الخاص لرئيس ووزير خارجية الولايات المتحدة لشؤون إزالة الألغام لأسباب إنسانية خلال الفترة 97- 1998. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إيريك دي. نيوسوم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"