هل يدرك السادة قراؤنا وهل يذكر الآخرون من سكان المنطقة العربية، كيف كان موقف قادة الحكم في السودان الرافض بقوة، وعلى مدى شهور، لتدخل قوات الأمم المتحدة في دارفور؟ هل تذكرون أن ذلك الرفض، بمبرراته الواهية، وصل إلى حد أن أحد كبار قادة حكم السودان أقسم أكثر من مرة بأغلظ الأيمان أن القوات الأممية لن تدخل دارفور إلاّ على جثثهم؟ لقد تحول الوضع اليوم وتبدل، ورغم أن سادة الخرطوم لم يفصحوا عن الحقائق كاملة، فإن الحقائق صارت في متناول الشعب السوداني الذي تمثل رفضه لموقف الحكومة الأول في أكثر من مستوى؛ أولاها أن الشريك الأول في الحكم، وهو "الحركة الشعبية"، كان ضد موقف الحكومة التي هو شريك فيها، وثانيتها الموقف الواضح لقادة المعارضة والذين ظلوا يعلنون وقوفهم ضد رفض الحكومة للتدخل الأممي. كان الأمر غامضاً وغير واضح لأن الحكومة لم تملك الجرأة على إعلان قبولها تدخلاً أممياً حتى أن زعيم المعارضة الصادق المهدي أعلن مؤخراً أن ما تعلنه الحكومة فيه قدر كبير من الغموض والإبهام. ولكن وزير خارجية مصر، الداعمة لحكومة السودان، أعلن بوضوح أن السودان قبل الصفقة التي كانت محل تفاوض خلال الأيام الأخيرة في العاصمة الإثيوبية وشاركت فيها مصر. جاءت تصريحات الوزير المصري لتكشفت الغطاء عما كانت حكومة السودان تحاول إخفاءه. قال الوزير المصري إن الصفقة تتكون من ثلاث مراحل؛ الأولى تسمى "الدعم الخفيف" أي أن الأمم المتحدة ترسل 200 ضابط من الشرطة والقوات المسلحة الدولية لمساعدة القوات الأفريقية في الإقليم. أما المرحلة الثانية فهي "الدعم الثقيل" التي يرتفع الدعم الأممي فيها إلى نحو ألف فرد. فيما تعرف المرحلة الثالثة باسم "الدعم الكامل". والهدف هو أن تصل القوات كلها، أفريقية وأممية، إلى نحو 20 ألف فرد، وهو ما عجز الاتحاد الأفريقي عن تحقيقه حتى الآن. وقال وزير الخارجية المصري إن هذه القوات ستحمل اسم "القوة المختلطة"، وقد تُركت مسؤولية تعيين قيادتها للتشاور بين ثلاث جهات؛ الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وحكومة السودان. قصارى الأمر أن الخرطوم قبلت، بعد أن بلغ رفضها أداني الأرض وأقاصيها. إنه قبول بقرار مجلس الأمن رقم 1706، ولا معنى لوضع الأمر في مراحل ثلاث أو أربع، فالنتيجة واحدة. ومعلوم أن قيادة الاتحاد الإفريقي كان منذ البداية مع القرارات الأممية، وقد بذل ما بذل لإقناع حكومة السودان دون جدوى! ترى ماذا سيكون رأي أبناء الشعب السوداني، بمن فيهم أولئك الذين يؤيدون الحكم القائم وسياساته، بعد إعلان هذه الحقائق؟ وكيف سينظر إليه أصدقاؤه في الخارج؛ إلى قدراته السياسية وحكمته في وزن أخطر الأمور؟!