وأخيراً، وبعد ممانعة طويلة، اعترف رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال "دان حالوتس" بالأخطاء التي ارتكبها جيشه خلال الحرب ضد "حزب الله" في الصيف الماضي، لكنه رفض مع ذلك تقديم استقالته من منصبه كقائد للجيش الإسرائيلي. وقد أفصح الجنرال "حالوتس" عن كون إسرائيل ألحقت ضرراً كبيراً بمواقع "حزب الله" في جنوب لبنان، مضيفاً أن القوات الإسرائيلية قتلت "المئات من الإرهابيين"، لكنه اعترف في الوقت نفسه بأن بلاده "عجزت عن تقليص الصواريخ قصيرة المدى التي كان يطلقها حزب الله على شمال إسرائيل ولم تنتهِ الحرب إلا بعدما تم إعلان وقف إطلاق النار"، الذي جاء بعد مرور 34 يوماً من المعارك الضارية في جنوب لبنان. يذكر أن المراقبين والباحثين العسكريين الإسرائيليين وجهوا انتقادات لاذعة للطريقة التي أدار بها الجنرال "حالوتس" الحرب على "حزب الله"، منتقدين الاعتماد المفرط على القوات الجوية وتأخير إرسال القوات البرية إلى جنوب لبنان بالأعداد الكافية لمواجهة مقاتلي "حزب الله" ومنعهم من إطلاق صواريخ الكاتيوشا على القرى والبلدات الإسرائيلية. وقد نبه المنتقدون أيضاً في معرض انتقاداتهم لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي ولرئيس الوزراء إيهود أولمرت إلى ضرورة أن يكون على رأس الجيش قائد من القوات البرية، فضلاً عن انتقداهم للتأخر الذي اتسمت به عملية استدعاء جيش الاحتياط، وما تبين لاحقاً من ضعف تجهيزاته وافتقاره للتدريب الجيد، إضافة إلى التعليمات المتناقضة أحياناً التي كان يتلقاها أفراده. وقد كان الجنرال "دان حالوتس" واضحاً في تقييمه للعملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان عندما قال "لقد هاجمنا الكاتيوشا، لكننا فشلنا في وقف إطلاقها". وجاء اعتراف "حالوتس" على هامش المؤتمر الصحفي الذي عقده في تل أبيب يوم الثلاثاء الماضي، ولخص فيه نتائج التحقيق الذي أجرته المؤسسة العسكرية حول إخفاقها في تحقيق أهدافها من الحرب على "حزب الله". وفي ختام المؤتمر تعهد "حالوتس" بالبقاء في منصبه "لتصحيح ما يمكن تصحيحه"، معتبراً أن استقالته في هذا الظرف هي بمثابة "هروب" من ساحة المعركة. وأضاف "حالوتس" أن رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير الدفاع "عمير بيريتس" لم يطلبا منه المغادرة، موضحاً ذلك بقوله "لم أسمع من رؤسائي ما يفيد بأنه عليَّ الاستقالة، وإذا ما طلبوا مني ذلك فإني سأستجيب". وفي حديثه عن الأخطاء التي ارتكبت خلال المواجهات بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" أشار "حالوتس" إلى انهيار الانضباط في بعض الأحيان قائلاً: "كانت هناك حالات امتنع فيها الضباط عن تنفيذ المهام الموكلة إليهم، وحالات أخرى عارض فيها الضباط الأوامر لأسباب أخلاقية"، في إشارة إلى امتناع بعض الضباط عن مهاجمة القرى والبلدات في جنوب لبنان. وأوضح "حالوتس" أن تلك التصرفات التي صدرت عن بعض عناصر الجيش الإسرائيلي وساهمت إلى حد ما في تعطيل عملية القضاء النهائي على "حزب الله" تتعارض مع القيم العسكرية الأساسية التي تتطلب أقصى درجات الانضباط والالتزام بالأوامر التي يصدرها القادة العسكريون. وبينما تصاعدت موجة الانتقادات تجاه الأداء العسكري الباهت للجيش الإسرائيلي خلال المواجهات مع "حزب الله" قام رئيس هيئة الأركان "دان حالوتس" بإزاحة قائد الجبهة الشمالية الجنرال "أودي آدام" واستبداله بالجنرال "موشي كابلينسكي"، وهو ما اضطر الجنرال "آدام" إلى تقديم استقالته ومغادرة الجيش نهائياً. وكان الجنرال "دان حالوتس" قد صرح في وقت سابق أن الجيش الإسرائيلي لجأ أحياناً إلى استخدام ذخائر عنقودية كانت تثبت على رأس القذائف التي تطلقها المدفعية الإسرائيلية لقصف القرى والبلدان اللبنانية، وذلك في خرق واضح لأوامره التي شددت، حسب قوله، على ضرورة قصف أهداف محددة. ويجري الأميركيون في هذه الأثناء تحقيقاً حول ما إذا كان الجيش الإسرائيلي قد استخدم فعلاً ذخائر عنقودية تصنع في الولايات المتحدة ويحظر القانون الأميركي استعمالها في المعارك. هذا ولم تقتصر الانتقادات فقط على الجانب العسكري، بل امتدت إلى القادة السياسيين الذين يتحملون جزءاً غير يسير من المسؤولية. وفي هذا الإطار انتقد الجنرال "دان حالوتس" رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي وضع سقفاً مرتفعاً للأهداف الواجب تحقيقها متمثلة في تحرير الجنديين الإسرائيليين اللذين اختطفهما "حزب الله"، بدل الاقتصار على أهداف واقعية قابلة للتحقيق. يذكر أن اللجنة المكلفة بالتحقيق في أداء الجيش الإسرائيلي خلال الحرب مع "حزب الله" التي يرأسها القاضي المتقاعد "إلياهو وينوجراد" لم تنتهِ بعد من أعمالها. غير أن "حالوتس" أكد خلال مؤتمره الصحفي أنه في حال طلبت منه اللجنة ترك منصبه على رأس الجيش الإسرائيلي فإنه سيتنحى على الفور، وهو ما تعهد به أيضاً وزير الدفاع "عمير بيريتس" الذي قال إنه ينتظر ما ستخلص إليه لجنة "وينوجراد" من نتائج. يذكر أن الحملة العسكرية الشرسة التي أطلقتها إسرائيل على "حزب الله" لم تتمكن من وقف الحرب لصالح إسرائيل بالقوة، واستمرت الحرب إلى أن تدخلت الأمم المتحدة التي طالبت بوقف فوري لإطلاق النار في 14 من شهر يوليو الماضي، وأصدرت قراراً يقضي بتعزيز قوات حفظ السلام الدولية "اليونيفيل" وتوسيع مهامها في جنوب لبنان وتكليفها بمراقبة السواحل اللبنانية، فضلاً عن الحدود مع سوريا لمنع إعادة تسليح "حزب الله". ستيفن إيرالنجر مراسل "نيويورك تايمز" في القدس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"