لقد هبت علينا رياح العام الجديد وهي تحمل معها نبأ بلوغ عدد القتلى من جنودنا في العراق، الـ3 آلاف قتيل. غير أن الأكثر إثارة للحزن، وما لا يعلمه الكثيرون، أن هناك حوالي 16 جريح ومصاب، مقابل كل واحد من قتلانا. وبذلك يبلغ عدد المصابين رقماً فلكياً وغير مسبوق، مقارنة بأي من الحروب والمعارك الخارجية التي خضناها من قبل. وإذا ما قارنا بين هذا المعدل، ومقابله من عدد المصابين من جنودنا في حربي فيتنام وكوريا، فإن عدد الجرحى لم يكن ليتعدى الثلاثة مقابل كل قتيل بينهم. أما في الحربين العالمية الأولى والثانية، فإن ذلك العدد لا يزيد على الاثنين بأي حال من الأحوال! وبلغة الأرقام، فإنه يمكننا الحديث عن أن لنا ما يزيد على الـ50 ألف جريح ومصاب في حربنا على العراق. ومن ناحية يعكس هذا الرقم نفسه، حدوث تطور إيجابي من ناحية الخدمات الطبية المقدمة وتحسين التحصينات والدروع الجسدية لجنودنا، وهذان عاملان مهمان للغاية في تمكين الكثير من جنودنا من النجاة بأرواحهم من الإصابات التي يتعرضون لها، والتي كان بوسعها إفقادهم حياتهم مثلما كان يحدث لجنودنا في سنوات سابقة من تاريخنا الحربي. لكن وكما هو الحال في كل ما يتعلق بهذه الحرب، فقد أخفقت إدارة بوش في التخطيط لما يعنيه هذا الجانب، بما في ذلك إخفاقها في تحديد الحاجة الطارئة للرعاية الصحية بين قدامى محاربينا. وبالنتيجة ومع إشراف الحرب العراقية على ذكراها الرابعة، فقد ووجهت وزارة شؤون قدامى المحاربين، بتزايد مطالب العجز والإصابة الدائمة من قبل الجنود المصابين، وكذلك ارتفاع عدد المطالبين بالخدمات الطبية العاجلة. وحتى الآن فقد جرى توفير الرعاية الطبية لأكثر من 200 ألف جندي من مقاتلينا في كل من العراق وأفغانستان، وهو رقم يزيد بثلاثة أمثال ما توقعته الوزارة، وفقاً لتحليل "مكتب المحاسبة الحكومية". كما جاء في التحليل نفسه، أن أكثر من ثلث هؤلاء قد جرى تشخيص حالاتهم المرضية على أنها أعراض أمراض نفسية عقلية، بما فيها أعراض الإجهاد اللاحق لصدمة الحرب، وحالات الاكتئاب النفسي الحاد، وإساءة استخدام المواد وغيرها. وبين هؤلاء أيضاً عدد كبير ممن تعرض لإصابات دائمة في الدماغ والنخاع الشوكي. وخلال العامين الماضيين، كانت وزارة قدامى المحاربين قد قدمت إحصاءات أقل دائماً للعدد الفعلي لمصابي الحرب، من الذين تحتم عليهم السعي للمساعدة المالية في تكلفة ونفقات العلاج، ما اضطرها في نهاية الأمر لاستجداء الكونجرس من أجل التصديق لها على مليارات الدولارات، تمكيناً لها من مواجهة تصاعد تلك النفقات، خاصة الطارئة منها. وعلى رغم أن لهذه الوزارة سمعة طيبة للغاية في مجال خدمات الرعاية الصحية، فإن الانتظار لمقابلة طبيب أو استشاري جيد من العاملين في المرافق التابعة لها، ربما يمتد الآن لعدة أشهر. وليس ذلك فحسب، بل إن الوزارة نفسها تعاني نقصاً حاداً في خدماتها المخصصة لرعاية المصابين نفسياً وعقلياً. وقد كتب الدكتور "فرانسيس مارفي"، نائب وكيل الوزارة للشؤون الصحية مؤخراً، قائلاً إن بعض العيادات التابعة لوزارته، لم يعد بوسعها تقديم أي خدمات تذكر للمصابين نفسياً وعقلياً ولا لأصحاب تلك الإصابات الناجمة عن إساءة استخدام المواد الحربية. وحتى في الحالات التي تتوفر فيها هذه الخدمات في بعض العيادات، فإن طول مدة انتظار المصابين، يجعلها غير متوفرة من الناحية العملية. ومع مضي الوضع في العراق وأفغانستان من سيئ نحو الأسوأ كما نرى على أرض الواقع، فإن من المرجح أن يرتفع عدد المصابين، وبالتالي أن ترتفع تكلفة علاجهم لتتراوح ما بين 300 إلى 600 مليار دولار، على حساب دافع الضريبة الأميركي، وفقاً للأمد الذي ستستمر فيه الحربان. وإذا كان الرئيس بوش لا يزال يتحدث عن إرسال المزيد من القوات إلى العراق، فلماذا لا نراه يتحدث البتة عن التزامات إدارته بعلاج ورعاية المصابين بينهم. تلك معركة أخرى كاملة لا تزال قيد الانتظار فيما يبدو! ليندا بيلميز أستاذة المالية العامة بكلية شؤون الحكم بجامعة "هارفارد" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"