وفقاً لإحصاءات "لجنة تنمية الموارد البشرية" في القطاع المصرفي، هناك 93 شركة صرافة تعمل في الإمارات، حالياً، ولديها 354 فرعاً في مختلف أرجاء الدولة، بينما يبلغ إجمالي العاملين فيها نحو 3256 موظفاً، منهم 138 مواطناً فقط، أي ما يعادل أقل من 5% من مجموع العاملين في هذا القطاع، حيث تخلو 56 شركة صرافة تماماً من المواطنين، أي أن نسبة التوطين في أغلب شركات الصرافة في الدولة يشكّل صفراً في المئة، رغم أن هذا القطاع يشكّل أحد أركان المؤسسات المالية الرائدة في الدولة، وبدأ يلعب دوراً مهماً في عمليات التنمية الاقتصادية، كما أنه يمثل بيئة إدارية وفنية مثالية لاستقطاب المواطنين. في ظل هذا الوضع، بدأت "لجنة تنمية الموارد البشرية" في القطاع المصرفي تتحرّك، مؤخراً، نحو رفع نسبة التوطين في شركات الصرافة، بموجب قرار المجلس الوزاري للخدمات رقم 16/1 لسنة 2006، بشأن ضمّ شركات الصرافة إلى مهام عمل اللجنة. رغم أن هذا التحرك الذي لا يستند إلى أي خطة اتحادية متكاملة للتوطين في الدولة، يطرح تساؤلات حول النتائج المتوقعة منه، في ظل تجارب مماثلة تماماً لم يكتب لها النجاح، خاصة قطاع التأمين، فإن القضية الجوهرية في هذا الجانب هي أن الإحصاءات الرسمية التي تبشر بها "لجنة تنمية الموارد البشرية" في القطاع المصرفي، حيث ترى أن نسبة التوطين في هذا القطاع وصلت إلى حدود 29%، تضفي مزيداً من التعقيد على عملية التوطين في الدولة، تماماً على عكس ما يروّج لها. فمثل هذه النسب والإحصاءات، وإن أظهرت تحولاً إيجابياً كبيراً في نظرة المواطنين للعمل في القطاع الخاص، فإنها في الوقت نفسه، تؤكد وجود خلل هيكلي كبير ومتشعب في بنية سوق العمل المحلية، إذ إن أكثر من ثلثي المواطنين الراغبين في العمل بالقطاع الخاص هم من الفئة العمرية 20-29 عاماً، وأن غالبيتهم يحملون مؤهلات تعليمية دون الجامعية، كما أن هناك تفاوتاً كبيراً في نسب الراغبين في القطاع الخاص حسب المناطق الجغرافية. هذه القضية برمّتها تأتي في إطار خلل متعدّد الوجوه تعانيه قوة العمل المواطنة، سببه الأساسي عدد محدود من العمالة المواطنة مطالب بالتمدّد في جميع القطاعات التنموية في الدولة، مع التركيز على القطاعات الاستراتيجية. فالإشكالية التي تطرحها القراءة التحليلية للإحصاءات الرسمية خلال العقود الثلاثة الماضية، ليست فقط في تمركز قوة العمل المواطنة في قطاع أو مهنة دون غيرها، والاعتماد شبه المطلق على العمالة الوافدة في المهن والقطاعات الأخرى، وإنما أيضاً في السياق التاريخي للاعتماد المتزايد على العمالة الوافدة، والانحسار النسبي المتواصل للعمالة المواطنة. كما أن هذا الانحسار في بعض القطاعات لم يكن نتيجة انخفاض النشاط الاقتصادي، حيث شهدت هذه القطاعات نفسها ارتفاعاً في الطلب على العمالة الوافدة، خلال الفترة ذاتها التي شهدت انحسار العمالة المواطنة. ورغم أن لضعف مشاركة العمالة المواطنة في العديد من القطاعات والمواقع المهمّة، مبرّراتها المنطقية، كالفوارق الواضحة في الأجور وظروف العمل، فإن تعديل هذا الخلل، من خلال إعادة النظر في بنية ومحدّدات المشاركة القطاعية، لابدّ من أن تكون على قائمة الأولويات الاستراتيجية في الدولة خلال المرحلة المقبلة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية