صدام مات في الحفرة قبل ثلاث سنوات، ولكنه -بسبب الغباء والطائفية- استطاع أن يمزق الأمة في مماته، مثلما مزقها إرباً أثناء حياته. لا يمثل صدام الأمة بأي حال من الأحوال، صدام ليس سُنياً ولا هو شيعي، المنطق يفترض طرح سؤال مهم حول توقيت الإعدام: هل ما جرى لصدام عدل أم ظلم؟ إن كان ظلماً، فلا داعي لمناقشة التوقيت، فليس هناك توقيت لظلم، وإن كان عدلاً فخير البر عاجله، ومن الأوْلى أن يتحقق الخير في يوم مقدس هو يوم العيد. الذين هتفوا باسم مقتدى الصدر وقت الإعدام، ظلموا أنفسهم وطائفتهم، وبرَّأوا صدام من حيث لا يعلمون من دماء السُّنة من الأكراد والعراقيين والإيرانيين والكويتيين: الأغبياء من الطائفيين الشيعة يعتقدون أن ظلم صدام حاق بهم لأنهم شيعة! ويظنون -جهلاً- بأن صدام ارتكب جرائمه في حقهم لأنه سُني! تماماً مثلما يعتقد الأغبياء من الطائفيين السٌّنة بأن الشيعة أعدموا صداماً لأنه سُني! فمنذ متى وصدام يمثل السُّنة؟ فوضى عملية الإعدام أثبتت بلا جدال أن حكومة المالكي لا تسيطر حتى على المنطقة الخضراء، ونفي علم الرئيس طالباني بتوقيت تنفيذ الحكم يعني -بلاشك- أن التواصل والاتصال -ناهيك عن التفاهم والتناغم- مفقود تماماً بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه، فتنفيذ الإعدام لم يكن مسألة روتينية يمكن لرئيس الوزراء تنفيذها دون علم جلال الطالباني، والعملية ليست مسألة بسيطة يمكن أن تتم دون علم رئيس الجمهورية. لم يبكِ أوروبي واحد على إعدام الديكتاتور الروماني السابق تشاوشيسكو، ولم تذرف أوروبا الدموع على موت الديكتاتور الصربي ميلوسوفيتش. في عالمنا العربي العتيد لا يختلف على ما اقترفه صدام حسين بحق شعبه وجيرانه وأمته عاقلان، ومع هذا فقد تظاهر المتظاهرون وأقيمت سرادق العزاء لمجرم الأمة الأكبر دون منازع: في مصر واليمن وبلاد الشام والمغرب، بل حتى في العراق نفسه: ولم تسلم الكويت من كتابات الطائفيين تحت ذرائع التوقيت الطائفي المتعمد! ما هذه العقلية العربية التي تعجب بالبطش؟ كيف يمكن فهم حزن الضحية على الجاني؟ هل هي حالة ستوكهولم Stockholm Syndrome النفسية؟ حيث ينقاد الضحية للجاني طواعية وبكل سرور ولذة يبرئه من جرائمه؟ أم أنها الطائفية التي أعمت بصائر البعض من السُّنة مثلما أعمت الجلادين من بعض الشيعة؟ أعلن القذافي الحداد والحزن والاستنكار لإعدام صدام وإقامة تمثال له بجانب تمثال عمر المختار! لم يحلم البعثيون ولا التكفيريون من السُّنة بمثل هذه العيدية من حلفائهم في الغباء من الشيعة، وصدام الذي امتهن الغدر والغيلة طيلة حياته، لم يكن شجاعاً عند المقصلة. حدسه الدموي زاده صلابة ولسان حاله يقول: أنا الغريق، فما خوفي من البلل. هم انتقموا وما أعدموا، وشتان ما بين الانتقام وما بين العدالة، الجلاد توقف التاريخ عنده يوم موقعة الجمل وصفين وكربلاء. متخلفو السُّنة يختزلون التشيع بعبدالله بن سبأ.. توقف التاريخ بالنسبة لصدام عند القادسية! الجلاد اختزل جرائم صدام في جريمة واحدة هي غيض من فيض، والعراقيون الشيعة لا يجرأون حتى على المساءلة: أين حقي؟ ضحايا الأنفال تستصرخ: أين حقي؟ ضحايا إيران والكويت وانتفاضة الجنوب تصيح في قبورها الجماعية: أين حقي؟ الإجابة مختزلة في حزب المالكي والجعفري. الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية في ملابسات الإعدام، وتتحمل تبعاته، مهما هرف وخرف سفيرها في بغداد -خليلزاد. الكل تبرأ من عملية الإعدام، والمالكي في وضع لا يحسد عليه، لكنه يعيش نشوة الانتقام، غير مدرك أن فلسفة الانتقام لا تبني وطناً ولا تقيم السلام...ليس مهماً بالنسبة له فقد دخل التاريخ بتوقيع: "يا لثارات..."