على ضوء إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالطريقة التي حدثت من حيث السرعة والتوقيت والاستعراض، فإن العراق بات بالفعل وسط حرب أهلية حقيقية للأسباب الآتية: أولاً، إن العنف آخذ في التصاعد السريع، ويكفي أنه في اليوم الأول للإعدام سقط ما يزيد على سبعين قتيلاً في شتى مدن العراق. ثانياً، تزايدت الاشتباكات الدموية بين السُّنة والشيعة بشكل لم يسبق له مثيل منذ الغزو، وأصبحت العملية أكثر تعقيداً وعنفاً ودموية. ثالثاً، يخطئ من يعتقد أن المقاومة السُّنية ستنتهي بإعدام صدام، فهي ستستمر لأنها لم تكن قائمة على شخصه، بل هي منبعثة من أوساط العديد من أطياف السُّنة التي يُصنف العديد منها بأنها كانت تعارض النظام، خاصة الإسلاميين منهم. ورابعاً وأخيراً، فإنه بالإضافة إلى حمامات الدم التي ستستمر بين السُّنة والشيعة، وفي داخل الفئات ذاتها، وبين المقاومة ورجال الأمن سواء كان الجيش العراقي أو غيره من الوحدات الأمنية، فإن عصابات الجريمة المنظمة ستقوى وستفعل فعلها في تأجيج الحرب الأهلية. كل ذلك يتعمق ويتجذر في كافة أنحاء العراق بما في ذلك بغداد، وسيؤدي إلى ظهور أنماط جديدة من العنف والتدهور في علاقات العراقيين ببعضهم بعضاً، وإلى تفاقم الحرب الأهلية بين الجميع. وبإعدام صدام حسين، يبدو أن الأوضاع ستتعقد كثيراً، ولن يصبح بالإمكان السيطرة على الحرب الأهلية الناشبة بسهولة، وقد كان بالإمكان لعب ورقة حل موضوع الحرب الأهلية عن طريق المراهنة على تحييد بعض الفئات المؤيدة له، خاصة وحدات الجيش العراقي السابق التي لا زالت قياداتها وأفرادها تدين بالولاء له عن طريق المساومة على رأسه في مقابل مكاسب سياسية تحققها الإدارة الأميركية في العراق والحكومة التي بيدها السلطة حالياً، ولكن يبدو أن الفرصة قد تبخرت الآن تماماً ولأسباب تعود أولاً وأخيراً إلى الانتقام الشخصي من الرجل بعيداً عن اللعب والمناورات السياسية، التي يتوجب على الأطراف الفاعلة في العراق الآن الاستعانة بها لإيصال سفينة القُطر إلى بر الأمان، وحقن دماء أبناء الشعب العراقي من هذا العنف العبثي الذي يمارس الآن دون أن يجد من يستطيع إيقافه استناداً على وسائل منطقية تتطلبها لعبة السياسة، خاصة في الأوقات العصيبة التي يمر بها قُطر مجروح كالعراق. لقد أُهدرت فرصة الاستفادة من رأس صدام وهو حي، وليس بواضح الأسباب التي تقف وراء ذلك أو الجهات التي دفعت بالأمور إلى مثل هذه النهاية غير المنطقية سياسياً. إن الإدارة الأميركية "الجمهورية" الحالية، التي تعتبر المسؤول الأول عن كل ما يجري في العراق بسبب كونها سلطة احتلال، كان بإمكانها أن تدفع بالأمور إلى وجهة مختلفة بالنسبة للاستفادة من وجود صدام حياً، فالمعدوم كان يمكن أن يشكل ورقة رابحة في العديد من القضايا العراقية، حتى وإن كان محتجزاً خلف قضبان السجون. وأهم تلك القضايا على الإطلاق هي قضية إعادة الأمن والسلم إلى الإنسان العراقي بشكل خاص والعراق كوطن موحد بشكل عام. وعندما يتحقق الأمن، فإنه سيكون لدى القوات الأميركية فرص أكبر للخروج من العراق، وهي تحتفظ بقدر كبير من ماء الوجه، وحقن أكبر لدماء جنودها، ولكنها فرصة ضاعت وتضاعفت بضياعها تداعيات مخرجات الحرب الأهلية خاصة على المصالح الأميركية واستراتيجيتها بعيدة المدى، والتكتيكات التي تنتهجها في سبيل تحقيق تلك الاستراتيجية. من المعروف تاريخياً أن الحروب الأهلية تنتهي بطرق شتى، إحداها المراهنة على رؤوس وأقطاب قيادات فصائلها، ولكن هذه الطريقة تحتاج إلى بناء مؤسسات فعالة تستطيع الاضطلاع بالمهمة، يرأسها أفراد مستعدون للاستماع إلى الآخر وعدم إلغاء دوره ومشاركته في السلطة والموارد، وإن كان ذلك الآخر عدواً سياسياً لهم في يوم من الأيام. ولكن الذي يحدث في العراق الآن شيء مختلف عن ذلك، فبعض الأطراف تعتقد أنها هي الأقوى، وهي التي يجب أن تسود على الآخرين، تماماً مثلما كان يفعل النظام السابق. فهي على الملأ تنادي بالديمقراطية والعدل والمساواة وتحقيق الأمن والطمأنينة للعراق، ولكنها على صعيد الممارسة الفعلية تقوم بأفعال أخرى تدفع بالعراق إلى مزيد من العنف والدمار وتأجج الحرب الأهلية. وقبل أن أنهي الحديث، أود التذكير بأن الحروب الأهلية تنتهي أحياناً بتقسيم القطر وتفتيته إلى دويلات، ففي هذه الحالة تنفر الفئات الرئيسية المكونة للمجتمع من بعضها بعضاً، ويبحث كل منها عن خلاصه في تكوين دولته المستقلة. وفي حالة العراق، فإن التقسيم سيكون بغيضاً جداً، وإن تم على يد أبناء العراق الحالي أنفسهم وباختيارهم. وليس من الواضح أن العديد من جيران العراق يرغبون في رؤية حدوثه، مثلما هو غير واضح أيضاً، أن العديد من الأطراف العراقية ترغب فيه، ولكن إذا ما استمرت التوجهات على حالها فإنه قادم لا محالة، برغم جميع المحاولات التي ستهدف إلى منعه.