انتهى عام 2006 بتحذير من الأمين العام للجامعة العربية للبنانيين من مخاطر كبيرة تنتظرهم إذا لم يبادروا إلى الاتفاق، ومن عواقب تصعيد كان قد أعلن عن خطواته بعض المعارضين. وكان السيد عمرو موسى في آخر لقاءاته مع السياسيين اللبنانيين قد تعمـّد توجيه رسالة واضحة: "أغادر لبنان وكلي قلق عليه وعلى اللبنانيين, ولا مجال للخروج من هذه المحنة إلا بالحوار بين بعضكم والاتفاق. وقد وضعنا إطاراً لهذا الاتفاق يمكن التحرك في داخله. أي خيار غير ذلك سيدخلكم في المجهول، ولن يقف معكم أحد. أمامكم الآن المبادرة العربية، وليس ثمة غيرها، فاستفيدوا منها"! وبعد السيد عمرو موسى، زار وفد من "حزب الله" المملكة العربية السعودية، والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكان نقاشاً حول كل القضايا، وعرض الوفد وجهة نظره منها –حسب البيان الصادر عن "الحزب"– والنتيجة: تشديد من الملك عبدالله على "الوحدة الوطنية اللبنانية" وتحذير من "خطر الانجرار إلى فتن مذهبية أو طائفية" ودعم "كل ما يتفق عليه اللبنانيون"، "واجلسوا مع بعضكم واتفقوا"! والمحطة الثالثة كانت في الضاحية الجنوبية من بيروت، حيث استقبل الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله السفير المصري في لبنان السيد حسين ضرار على مدى ساعتين من الزمن. وهو اللقاء الأول الذي يعقد بينهما. السفير ضرار نقل رسالة من القيادة المصرية إلى السيد نصرالله مفادها كما أُعلن: "أنتم تمثلون شريحة كبيرة من اللبنانيين وعليكم جزء من المسؤولية في لبنان مثل غيركم من القادة الأساسيين في البلاد، نأمل ألا يكون خطأ في الحسابات الدولية أو الإقليمية. فإذا لم يكن حل بينكم في لبنان فالأمور ذاهبة نحو الأخطر"! هذه المحطات ليست عادية. فالأمين العام للجامعة العربية تحرك بعد إجرائه سلسلة من الاتصالات مع القادة العرب وعدد من المسؤولين الدوليين وكانت مباركة لمبادرته. قام بجولات مكوكية بين المقرات الرسمية وغير الرسمية في لبنان، فشعر في النهاية بأنه تحول إلى ناقل رسائل بين هذا المسؤول وذاك في مدينة صغيرة لا تبعد المسافة بينهما أكثر من مئات الأمتار أحياناً"! ولمس، على الأقل في ما كان ظاهراً من مواقف أمامه، أن التعقيدات التي واجهت مهمته، ليست بأهمية الخلافات. بل بوضوح أكثر، الخلافات عميقة. وعناوين الاتفاق محددة، لكن "التفاصيل" أطاحت بها وعرّضت لبنان وقد تعرضه لمخاطر أكبر وهذا ليس مطمئناً وليس مقنعاً. وزيارة "حزب الله" إلى السعودية، حدث بحد ذاته، خاصة بعد انتقادات وُجهت إلى المملكة، وكان لـ"حزب الله" وإعلامه دور في ذلك. وزيارة السفير المصري إلى قيادة "حزب الله" توضع في الإطار ذاته، لأن مصر نالت حصة من تلك الانتقادات والهجومات. السعودية ومصر دولتان شقيقتان كبيرتان محوريتان كان لبنان يستند إليهما دائماً، وكانت سوريا تستند إليهما في خصوصية تركيبة المنطقة، قبل الاهتزاز العميق الذي حصل في العلاقة معهما بعد خطاب الرئيس بشار الأسد الذي خاطب فيه بعض القادة العرب بـ"أنصاف الرجال"، وسبّب الأمر قطيعة ومشكلة كبيرتين حتى الآن. بعد ذلك، جاء موفدون دوليون وإقليميون إلى لبنان. قاموا بالجولات المعهودة. زيارات إلى الرؤساء، وإلى القادة المعروفين في البلد. عددهم أربعة أو خمسة. والخلاصة "يا جماعة لماذا لا تجتمعون مع بعضكم". "هل يصدق أحد أن الخلاف قائم على وزير واحد لإيجاد حل لمشكلة الحكومة"؟ "هل يصدق أحد أن خلافاً كبيراً قائم على المحكمة الدولية، وأن فريقاً خرج من الحكومة بسببها، ولا يقول حتى الآن ما لديه من ملاحظات استند إليها في مواقفه"؟ وكل الموفدين، الباحثين عن دور، أو الساعين وراء تحرك أو صورة تعزز أوضاعهم في بلادهم سواء لأن لديهم قوات في عداد قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني، أو لأن لبعضهم خصوصية تاريخية في العلاقة مع لبنان أو الصادقين منهم في مساعيهم، كل هؤلاء ليسوا مقتنعين بالأسباب المعلنة للمعارضة للتصعيد، ويشعرون أن السلطة أيضاً في مأزق وإن كانوا يعترفون بشـرعيتها ويدعمون خطواتهــا ويستعدون لعقد مؤتمر باريس دعماً للبنان، كل لبنان! وفي الداخل، جدّد مجلس المطارنة الموارنة الدعوة إلى إنهاء الاعتصامات ووقف المهرجانات والاستفادة من المبادرات، والفرص التي أتيحت للبنانيين من قبل إخوة وأصدقاء، وصدرت مواقف من مرجعيات سياسية وروحية وفاعليات وهيئات اقتصادية مهمة، تحذر من خطر الانزلاق إلى فتن مذهبية وإلى تدمير مبرمج للاقتصاد اللبناني سينهك كل اللبنانيين، ولن يكون أحد بمنأى عن نتائجه السلبية! ومن طهران، دخولٌ على أعلى المستويات على خطوط الأزمة وبشكل مباشر، دون الاكتفاء بمواقف جهات تلتزم سياساتها ومخططاتها في لبنان. تصريحات ومواقف تندد بمواقف قوى لبنانية وتهدد بطريقة أو بأخرى. ومن دمشق تصريحات وتسريبات وحملات في الاتجاه ذاته. وفي الداخل توتر وقلق كبيران. قبل الأعياد "طمأن " المعارضون اللبنانيين أن هدنة تمنح لهم ليعيِّدوا! ولكن التطمين كان مفخخاً ومسموماً لأن بعض أركان المعارضة لم يتوقف عن التهديد والتلويح بما سيجري من تصعيد بعد العيد! فأي ارتياح هو وأي اطمئنان؟ خشي اللبناني في الخارج من العودة إلى بلاده، خوفاً من توترات وإقفال مطار -كما ورد في بعض التهديدات المذكورة- وخشي اللبناني في الداخل مما ستحمله الأيام المقبلة! وكأن ذلك لم يكن كافياً. فقد وسعت دائرة المنجِّمين السياسيين والفلكيين والروحيين، والقارئين والمبصـِّرين، وغرق اللبنانيون في متابعتهم، فما وجدوا إلا كل شيء مقلق ومنذر بشرور كثيرة ستحملها السنة الجديدة! وفي خضم هذه الحالات، والمواقف والسياسات، والمشاعر، يغرق لبنان شيئاً فشيئاً في أزماته. وأخطر تجلياتها الحالة المذهبية المستشرية. إذ لا يكفي أن تخف حدة التصريحات أو المعارك الإعلامية بعد الذي جرى مؤخراً ليعتقد البعض أن هذه الحالة إلى انحسار . بل إن ما خلـّفه تصعيد الأسابيع الأخيرة، والاعتصام في بيروت والخطابات والبيانات والتحريضات ضد الحكومة ورئيسها والاستفزازات في شوارع بيروت لا يزال يترك آثاره السلبية، وحتى لو كانت هدنة، فإن الانقسام بات عمودياً وأفقياً للأسف. ويكفي أن نتطلع إلى واقع المؤسسات التربوية، الخاصة منها أو الرسمية خصوصاً، لنرى هذا الأمر، أو لواقع العلاقات بين الناس! نعم، الأساتذة الذين ينتمون إلى طائفة معينة أو مذهب معين ومعينون في مناطق من لون طائفي أو مذهبي آخر، يعانون أزمة، ولا يستطيعون الانتقال إليها وإذا انتقلوا إليها شعروا بمرارة كي لا أقول أكثر، ومن بينهم من لا علاقة له بهذا اللون السياسي أو ذاك، ولا ارتباط له بهذا الفريق السياسي أو ذاك. والأمر نفسه ينسحب على الطلاب. فكيف إذا تحدثنا عن مقيمين في بنايات واحدة أو مجمعات سكنية واحدة أو أحياء واحدة وينتمون إلى طوائف ومذاهب مختلفة؟ إنه مشهد خطير ومقلق .فماذا سيحمل أبناؤنا في نفوسهم؟ وإلى أين؟ أخشى ما أخشاه أن نكون ونحن نضيـّع الفرص والمبادرات بسبب عناد ومكابرات يعبـّر عنها البعض بالقول: "لا نستطيع أن نتراجع لقد وعدنا الناس"! أن نغرق في مسلسل من الفوضى والفتن أكبر منا، ونفتقد بالكامل القدرة على التحكم به فنسقط جميعاً ويسقط لبنان؟ ماذا تربح المعارضة في مثل هذه الحالة؟ ماذا يربح اللبنانيون؟ آمل أن يكون العام الجديد أفضل بكثير مما تنبأ به "المنجمون" الذين وكما علمنا يوجهون بين السياسيين النجوم!