من المنتظر أن يواجه "بان كي مون" الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، والذي تولى منصبه رسمياً بداية يناير الحالي، مهاماً شاقة في موقعه الجديد. ولا يرجع ذلك لأنه كوري جنوبي، أي رجل ينتمي إلى النصف الثاني للدولة التي تلوح الآن بالتهديد النووي في وجه العالم، وإنما يرجع لأنه يتولى قيادة دفة منظمة دولية تبدو وكأنها قد ضلت طريقها. وفقدان المصداقية الذي تعاني منه الأمم المتحدة في وقتنا هذا يرجع لفقدان الصلة بين ما يمكن أن تقوم به، وما يتوقع منها أن تقوم به، ونوعية المهام التي خلقت من أجلها. فالأمم المتحدة لم تخلق أبداً كي تعمل كضامن للسلام، وإنما لتكون بمثابة منتدى أو ساحة للحوار يمكن فيها للدول المختلفة أن تعمل معاً من أجل تعزيز الرخاء العالمي والحيلولة دون وقوع الصراعات. وهو أمر يختلف كلياً عن الصورة التي يرى فيها العالم الأمم المتحدة، أي كضامن للسلام. ونتيجة لهذا الاختلاف فإن كثيرين في العالم ينتابهم الآن شعور بخيبة الأمل والرغبة في توجيه الانتقادات واللوم للمنظمة الدولية في أي وقت يعاني فيه شعب ما أو منطقة ما، من مشكلة معينة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى فقدانها لمزيد من الشرعية. ولب تلك المشكلة يتمثل في اللبس وسوء الفهم المتعلقين بصلاحيات الأمين العام للأمم المتحدة نفسه. فهو ليس مديراً عاماً، وإنما رجل يوجه دفة منظمة أو سفينة تضم 192 عضواً مستقلاً لا يملك أي سلطة إجبار إزاءهم. ورغم ذلك، أي رغم أنه لا يمتلك سلطة تنفيذية على الأعضاء، فإنه يتحمل المسؤولية ويقع عليه اللوم في حالة وقوع أي خطأ أو قصور. ويمكن للأمين العام الجديد أن يتجنب كثيراً من اللوم لو حرص على عدم إغراق نفسه في التفاصيل الدقيقة للقضية الخاصة بإصلاح الأمم المتحدة، وعهد بهذه المهمة لأحد المساعدين الأكفاء، كي يتولى دفع هذه الأجندة الشاقة. وبهذه الطريقة يمكن للأمين العام الجديد النجاة من المشكلات التي لاحقت سلفه في المنصب، وأن يقوم في الوقت نفسه بإنجاز بعض الإصلاحات الاستراتيجية داخل المنظمة. ويستطيع "بان كي مون"، والذي كان قد شغل منصب وزير الخارجية في كوريا الجنوبية طوال عدة أعوام، أن يبني على علاقة كوريا الجنوبية الطيبة مع معظم دول العالم ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، لاستمالة الأخيرة وإقناعها باتباع نهج أكثر موضوعية تجاه المنظمة الدولية، بحيث لا تقوم بتحميلها كافة الأخطاء التي تحدث وتتنصل هي من تلك الأخطاء أمام شعبها. ويجب عليه في هذا السياق أن يضع في اعتباره أن منظمته لا يمكن أن تنجح دون الدعم الأميركي تحديداً، وأن الولايات المتحدة من جهتها تحتاج إلى المنظمة الدولية لإضفاء الشرعية على كثير من سياساتها الخارجية... كما يجب عليه أيضاً أن يعرف أن منظمته لن تتمكن من تحقيق أي تحسين في أدائها طالما ظلت على هيكليتها الحالية، وأن الحاجة تستدعى منه إعادة هيكلة المنظمة بحيث تتماشى تلك الهيكلية مع ما تتمتع به من أهمية. أما فيما يتعلق بالتعامل مع روسيا والصين، فيتوجب على "بان كي مون" أن يقوم بتشجيعهما على الاضطلاع بمزيد من الأدوار على الساحة الدولية، بدلاً من أن تعملا كقوتي تعويق ومعارضة في كثير من القضايا، وأن تدركا أنهما قوتان عظميان وأن تتصرفا على هذا الأساس. يجب على "بان كي مون" أيضاً أن يشجيع اليابان على الانخراط بشكل أكبر في القضايا الإقليمية والدولية، وأن يقنعها من أجل ذلك أن تتخذ من السياسات ما يكفل تضميد جراح الكثير من الدول الآسيوية التي لا تزال ذكريات الاحتلال الياباني حية في ذاكرتها. أما الاتحاد الأوروبي فسيظل من الداعمين الأقوياء لدور المنظمة الدولية، وإن كانت حرب العراق وما أحاط بها من ملابسات، قد قوضت إلى حد ما من مصداقية المنظمة في نظر كثير من دول الاتحاد. يجب عليه أيضاً أن يعمل من أجل انغماس الهند في القضايا الدولية باعتبارها قوة إقليمية كبرى، ويمكن لجهوده في هذا الشأن أن تكون رمزاً على رغبة المنظمة في الاهتمام بالقوى الصاعدة في العالم النامي. ويجب عليه قبل ذلك كله أن يعمل على ضمان استمرار قيام الأمم المتحدة بوظيفتها من خلال تحقيق التوافق والإجماع الدوليين بشأن العديد من القضايا. إن "بان كي مون" يتولى قيادة المنظمة الدولية في وقت تواجه فيه هذه المنظمة أزمة وجودية، دون أن تتوافر لها الوسائل والإمكانيات الكافية لمعالجة هذه الأزمة والخروج منها إلى بر الأمان. لذلك دعونا جميعاً نأمل أن يتمكن القادم الجديد لقيادة المنظمة من رسم سياسات الإصلاح المناسبة، وأن ينتقي الأشخاص المناسبين لتولي المسؤوليات في كافة المجالات، مع التركيز في الوقت نفسه على تحقيق التوافق والانسجام بين القوى الكبرى التي تمتلك القدرة على دعم ومساندة المنظمة للاضطلاع بالدور الحيوي المناط بها في عالم اليوم، وأن يبدأ في الوقت نفسه بعملية إعادة تأهيل كبرى لاسترداد المكانة العالية التي كانت تحظى بها الأمم المتحدة كأداة فعالة لتحقيق السلم الدولي في عالم يزداد خطورة على الدوام. باتريك إم. كرونين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مدير الدراسات في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن رافيالو بانتوشي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ باحث في نفس المعهد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"