في اليوم الأول من عام 1959 زحفت الميليشيا العسكرية التابعة لفيديل كاسترو على هافانا لتحقق نصراً مؤزراً على خصومها هناك. وسرعان ما لحق كاسترو نفسه بقواته بعد بضعة أيام من دخولها العاصمة الكوبية، ليتولى قيادة الثورة التي بشَّر بها ودامت أكثر من نصف قرن دون توقف. وخلافاً للعمليات الانقلابية التي طغت على الحياة السياسية من قبل، كانت حركة كاسترو ثورة حقيقية بكل المقاييس. وبتسليمه السلطة إلى شقيقه راوول في يوليو الماضي، يكون الحاكم الأطول مكوثاً في السلطة بين جميع حكام العالم. ورغم تأكدنا من مرض فيديل كاسترو، فإننا لا نعرف تحديداً طبيعة مرضه وما إذا كان سينهض مجدداً أم لا. فبينما ترى الاستخبارات الأميركية أن الرجل يعاني من سرطان في مراحله المتقدمة، أكد طبيب أسباني فحصه، أنه بصحة جيدة وأنه سيستأنف عمله في أي وقت. وأياً كان الحال، فإن عصر كاسترو في قيادة كوبا قد شارف على النهاية. لقد عايش كاسترو تسعة رؤساء أميركيين؛ هم إيزنهاور وكيندي وجونسون ونيكسون وفورد وكارتر وريجان وجورج بوش الأب وكلينتون، وها هو يصل به العمر إلى العامين الأخيرين المتبقيين من ولاية جورج بوش الابن. وفيما عدا الرئيس كارتر الذي حاول استعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، سعى جميع الرؤساء الأميركيين إلى الإطاحة بفيديل كاسترو. وكان بوسع أميركا التصالح مع كاسترو، كما فعلت مع كثير من الأنظمة الديكتاتورية في أميركا اللاتينية، لكنها امتنعت عن ذلك بسبب الاستقطاب الأيديولوجي في هافانا وواشنطن، فضلاً عن الضغوط التي مارسها اللوبي الكوبي في ولاية ميامي على متخذي القرار الأميركيين. ورغم استعانة نظام كاسترو بجهاز أمنه السري الفعال، لبسط سيطرته وقمع المعارضة، فإنه أيضاً حظي بدعم شعبي واسع نتيجة التغييرات التي أدخلها على المجتمع الكوبي. فقد حسَّن الرعاية الصحية وجعلها متاحة للجميع، وشن حملة للقضاء على الأمية التي استطاع فعلاً إزالتها من كوبا. ولن تجد في كوبا أطفال مدارس حفاة، أو يعانون من سوء التغذية والإهمال. كما قام كاسترو عقب استلامه السلطة بطرد عصابات المافيا التي كانت تنشط في كوبا وأغلق محلات القمار والدعارة في البلاد. ولمعالجة مشكلة السكن التي عانت منها كوبا، نظم كاسترو فرقاً للبناء بعدما أمّن الأراضي اللازمة وحصل على مواد البناء، حيث شيد أحياء سكنية أعطيت أولوية السكن فيها لعمال البناء الذين سهروا على استكمالها، وتم توزيع الباقي على المواطنين. وجاء الدعم السوفييتي ليساعد الثورة الكوبية في تحقيق أهدافها، من خلال بيعه النفط بأسعار أقل من السوق، وشرائه السكر الكوبي بأسعار تفوق تلك الموجودة في السوق، وهو ما وفر دعماً مالياً تراوح بين 3 و4 مليارات دولار سنوياً. لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظهرت متاعب كوبا، ما حدا بكاسترو إلى الاستثمار، وإن على مضض، في القطاع السياحي ليصبح الاقتصاد الكوبي قائماً على عملتي "البيسو" الكوبي والدولار الأميركي. بعد هذا كله يبقى على الولايات المتحدة أن تستخلص الدروس الملائمة من تجربتها الطويلة مع كوبا. فما عدا المرة الوحيدة التي نشرت فيها كوبا صواريخ قبالة السواحل الأميركية بدعم سوفييتي، فهي لم تكن في يوم من الأيام تمثل خطراً حقيقياً على الولايات المتحدة. وكما قال السيناتور ويليام فولبرايت للرئيس كيندي: "لقد كانت كوبا شوكة في جلدنا، لكنها ليست خنجراً في القلب". فلماذا إذن هذا التخوف الأميركي من كوبا؟ السبب يرجع في جزء منه إلى سياسة ولاية فلوريدا المناوئة لنظام كاسترو، وفي جزء آخر إلى التوجس من انتشار الشيوعية في أميركا اللاتينية. واليوم حيث يقترب عهد فيديل كاسترو من نهايته الطبيعية، يتعين على الولايات المتحدة انتهاز الفرصة لإعادة تقييم علاقتها مع كوبا وتغيير سياستها الخارجية تجاهها. ــــــــــــــــــــــــــــــ كبير موظفي لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي ــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"