ربما أشارت الصور التي نقلت ما حدث في اللحظات الأخيرة من تنفيذ حكم الإعدام على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وخاصة مكان الإعدام (الشعبة الخامسة للمخابرات السابقة) ووقته (أول أيام عيد الأضحى المبارك)، وما رافق ذلك من هتافات (ذات طبيعة طائفية متطرفة)... إلى الجهة التي ارتكبت كثيراً من جرائم الذبح والقتل والانتقام، منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق. ما يحدث في العراق اليوم ليس "مصالحة وطنية"، بل هو تكريس لحالة الثأر والانتقام الطائفيين، والتي يغذيها الاحتلال الأميركي بكل الوسائل، وقد نجح في إثارة الفتنة الطائفية، خاصة بعد أن وجدت أميركا نفسها في مستنقع خطير، تهددها فيه ضربات المقاومة العراقية. ما يحدث في العراق أمر خطير يجب الانتباه إليه؛ فهناك استهداف مقصود للعرب وللسُّنة منهم على وجه الخصوص، هناك دولة عربية مهمة على وشك التمزق بسبب صراع طائفي قد تكون له امتدادات إقليمية أبعد، خاصة بعد أن أصبح لإيران نفوذ كبير في العراق، وبعد أن قام هناك تحالف وثيق بينها وبين أميركا. خطورة ذلك التعاون كونه يرمي إلى الهيمنة على المنطقة وثروتها النفطية، ويستهدف السُّنة والهوية العربية للعراق. كثير من الدراسات والوثائق تؤكد هذه الحقيقة، والإدارة الأميركية منذ بدأت تنفذ مشروع "القرن الأميركي الجديد" (في منتصف تسعينيات القرن الماضي)، والذي يهدف إلى الهيمنة على نفط المنطقة العربية وضمان أمن إسرائيل، وهي تبحث عن شريك يتعاون معها في تحقيق هذا الأمر، وقد وجدته في إيران. أحد المحللين الاستراتيجيين العرب، تناول في مقالة له مؤخراً هذا الأمر، فقال: "كانت الإدارة الأميركية بحاجة إلى تأمين التعاون الإيراني، وحصلت عليه بدون صعوبة، بل إن إيران على لسان وزير دفاعها السابق شامخاني، رحبت بهذا التعاون وفتحت مجالها الجوي لفترة تزيد على الشهرين لطائرات بي 52 العملاقة، لقصف أفغانستان خلال أكثر من ثلاثة أسابيع. وبعد سقوط طالبان، وجد الأميركيون أن إيران لديها قابلية كبيرة للتعاون معهم في مهمات استراتيجية مجدولة في برنامج إدارة المحافظين الجدد برئاسة بوش، لذا حرص الأميركيون على إطلاع إيران والتنسيق معها في غزو العراق، والطلب منها عشية الغزو أن تحرك الميليشيات الشيعية التي دربها الحرس الثوري الإيراني وأهمها منظمة بدر، مقابل السيطرة على الأرض العراقية في الجنوب فور عبور الجيش الأميركي الزاحف إلى بغداد". وبالفعل فإن الزعماء الشيعة العراقيين دخلوا مع القوات الأميركية (الربيعي -الجعفري –المالكي -الجلبي)، تأييداً للتعاون الأميركي- الإيراني. وعلى صعيد المرجعية الشيعية، أصدر السيستاني فتواه الشهيرة بتحريم مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق. ويضيف المحلل الاستراتيجي قائلاً: "لقد تمكن الأميركيون من خلال التعاون مع الإيرانيين في العراق، من توظيف الشيعة لضرب المقاومة السُّنية للاحتلال الأميركي، ومقابل ذلك تغاضى الأميركيون عن الاختراقات الإيرانية للأمن العراقي، وشجعت الإدارة الأميركية شيعة العراق على المبادرة بالسيطرة على العملية السياسية". هذا الاستنتاج يؤيده ما تحدث عنه ريتشارد هاس رئيس مجلة "فورين أفيرز" في مقال له في عدد نوفمبر- ديسمبر 2006، حيث قال: "إن إيران ستكون إحدى أقوى دولتين في المنطقة، فهي اليوم تمثل أقوى تأثير خارجي في العراق، وتتمتع بنفوذ كبير هناك، وهي قوة استعمارية كلاسيكية تطمح لإعادة تشكيل المنطقة حسب تصورها، كما تملك إمكانية لترجمة أهدافها إلى حقيقة واقعة". إن التلاقي في المصالح بين المشروعين الإيراني والأميركي، ستكون له آثار خطيرة، ليس فقط على العراق فحسب، بل على الأمة العربية بأكملها، لاسيما أن هناك اتجاهاً إيرانياً لترسيخ الدور الفارسي في العراق والخليج العربي، وهذا أمر تعلنه إيران صراحة وبشكل مستمر. على الدول العربية إذن أن يكون لها موقف مما يحدث في العراق، أن يكون لها مشروع واضح يقابل المشاريع والمخططات الأميركية- الإيرانية في المنطقة!