في إحدى فترات الحكم الأموي ببغداد وفي أيام فتنة (خلق القرآن) قام المكلف باسم خليفة المسلمين في أول أيام عيد الأضحى المبارك بتقديم رأس (الجعد بن درهم) قرباناً وأضحية عن بقية أبناء الأمة الإسلامية عندما قال بعد الخطبة: "أيها الناس قوموا إلى أضاحيكم فإني مُضحٍّ بالجعد بن درهم"! تصرف بربري باسم العدالة ذهب ضحاياه ليس الجعد وحده وإنما طائفة كبيرة من علماء الإسلام باسم عدالة الإسلام، ولم ينجُ الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- كذلك من أتونه، فكان الصوت العالي للسيوف والسياط ومختلف أساليب التعذيب "الخلاقة". ويدور الزمان ويحين الموعد المحتوم لممارسة ذلك التصرف الذي سماه الاتحاد الأوروبي بـ"البربري" في طاغية العراق صدام، وفي فجر اليوم الأول من صبيحة عيد الأضحى وكأن جينات العهد الماضي لازالت سارية المفعول في الحاضر الذي تغير فيه كل شيء إلا ما يتعلق فيه بالإسلام والمسلمين، فهو في تراجع ملموس وممارسة ذات السلوك المشين في مختلف العصور الإسلامية خير دليل على أن الدساتير والقوانين والقواعد واللوائح وكل متعلقاتها في عقول الساسة أمر مختلف لا علاقة له بأي تشريع، سواء كان باسم الإسلام أو العلمانية. لا يختلف أي عاقل في العراق أو خارجه على أن ما فعله صدام طوال أكثر من ثلاثة عقود من حكمه كان فوق الاحتمال، ولكن نظام الحكم الحالي في بغداد قد فقد عقله بمجرد صدور حكم الإعدام بحق صدام، وأثبت بأنه ليس لمعالم الإسلام في عيده قيمة، وحب الانتقام السريع هو الحكم وحرارة الدم هي الفاعلة، وأن العقلاء هم المجانين، في هذا اليوم المشهود تقول إحدى عجائز نيسابور من المعاصرين الذين بكوا صدام في إعدامه: "اللهم لا اختلاف على سوء فعاله ولكن تأخير إعدامه إلى ما بعد العيد لم يكن ليضير العراق في شيء". وأثبت النظام مرة أخرى أنه ليس للميت حرمة، فتصوير محاكمة صدام وتوزيعها على شبكات الانترنت والهواتف النقالة أعطى صورة قبيحة لما عليه أحوالنا من تردٍّ. ومن مصادفات القدر في هذا العام أن تختلط معالم عيد الأضحى بمعالم أعياد الميلاد ورأس السنة وانتشرت مباهج عيد الميلاد في أرجاء الوطن العربي والإسلامي، وامتلأت سماؤهما بالألعاب النارية وأرضهما بأصوات الموسيقى الصاخبة وبشائر الفرح. وبالمقابل امتلأت سماؤنا الخاصة بمزيد من نحر البشر في العراق والصومال وغيرهما من المواقع الملغمة بكل ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الموت بالاختناقات المذهبية والطائفية التي باتت تطفو على سطح المشكلات في العالمين العربي والإسلامي. يظن البعض أن إعدام صدام يعني خلاص العالم العربي من شر الطاغوت، مع أن هذا الفعل بحد ذاته دليل على أن الطاغوت قد ولّد طواغيت معاصرة أصغر حجماً، ولكن يمكن أن يكونوا أشد ظلماً وفتكاً بالآخرين. في عالم ضاع فيه الإنصاف ووضع العقل السليم في الجسم السقيم، لم يعد المشروع الديمقراطي هو المنقذ لما يعانيه العراق من ويلات طائفية كانت تحت التراب في عهد صدام. أما اليوم فإن شرورها أطلقت نيران من الانتقام والتشفي بحجة أن صدام كان يساند طائفة دون أخرى وهو ما لم يكن صحيحاً. إذا كان النظام الحاكم اليوم يروج لعدالة التخلص من صدام فإن الآخرين والبالغ عددهم قرابة المليون قتيل منذ احتلال أميركا للعراق لا زالوا في قائمة انتظار تطبيق العدالة لهم بعد أن ذهبوا ضحية البربرية التي أزاحتهم عن الوجود دون أن تنشأ لأجلهم محكمة واحدة تنصفهم من شر عدالة البربرية.