يحلو لبعض الكتّاب العرب، المُنعمين في العواصم الأوروبية، تسقُّط أي كتاب يخصّ الأوضاع في البلاد العربية، خصوصاً إن كان ضد إسرائيل، ويقرؤونه قراءة عاطفية ومتشنجة تبعدهم عن الحقيقة، وعن أهداف بعض الكتّاب الأوروبيين الذين هم -في أرذل أعمارهم- يحاولون التكسّب من تقديم رؤية "مثيرة" عن المشهد السياسي والعسكري والاجتماعي في الشرق الأوسط. ومن آخر هذه الكتب كتاب "كيف هزم حزب الله إسرائيل"؟ لمؤلفيه "أليستر كوك ومارك بيري"، الذي يسلط الضوء على الأحداث الأخيرة في لبنان، معبراً عن أن "حزب الله" هزم إسرائيل خلال عدوان يوليو 2006. وللحقيقة، فأنا لم أقرأ الكتاب، لكنني قرأت تعليقاً أو شرحاً عنه باللغة العربية، لكاتب عربي يبدو أنه لا زال يعيش أحلام كاسترو، وهوشي منه، وجيفارا! ويؤمن بالتفجيرات وأعمال العصابات والشعارات الحامية التي تحرك الجماهير. يقول الكاتب مقتبساً من المؤلفين المذكورين: "كانت نتائج حرب الأربعة والثلاثين يوماً من المواجهة الأسطورية لأجناد "حزب الله" ضد أجناد حزب يهوه الصهيوني، انتصاراً تاريخياً بكل المقاييس. فحسب قراءة الخبيرين البريطانيين، فإن انتصار "حزب الله" بيَّن أن قوة إسرائيل العسكرية الفائقة، بكل ما بلغته من تقنية وتعقيد، قابلة للهزيمة، في مواجهة مفتوحة مع قوة مقاومة شعبية تبني استراتيجيتها على ضرب نقاط ضعف الوحش المهاجم بقوة إيمانية خارقة لمنطق الشجاعة الإنسانية المألوفة". يواصل: "فهم كانوا مدركين أن العدو سيضطر إلى الدفع بقواته البرية لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه قواته الجوية، وهنا على الأرض ذاق أجناد بني صهيون مذاق القتل وأنين الجرحى الجبناء وهم يتراجعون من جحيم المقاومة". ويواصل: "لقد استشفت إسرائيل جيشاً وحكومة، رائحة الهزيمة منذ الأيام الأولى للحرب، لكنها كابرت وتشبثت بحالة الإنكار التي تصيب المغرورين والمصابين بجنون التفوق". لن أواصل اقتباس الكلمات والمعاني الجوفاء التي وردت في التعليق المذكور، فهي في مجملها تُضيع العقل العربي، وتشحن الشارع على طريقة المذيع الشهير أحمد سعيد في هزيمة 1967. فأولاً، لم يكن ما حصل انتصاراً بالمعنى العسكري للكلمة، ولم تكن حرب مواجهة بين الجيوش، كانت إطلاق صواريخ عشوائية نحو إسرائيل، مقابل ضرب الطائرات -بكل دقة- للبنى التحتية للبنان. كان مسرح لبنان مكشوفاً أمام الطائرات الإسرائيلية، وكانت القوات الإسرائيلية تختار ما تشاء من أهداف دون مقاومة، ودون أن يُطلق على طائراتها صاروخ واحد. فالحديث عن "هزيمة" إسرائيل على يد "حزب الله" حديث خيالي وغير منطقي، بل وانفعالي، وليتذكر الكاتب -والكاتبان البريطانيان- أن العرب مجتمعين، بجيوشهم وأموالهم، لم يهزموا إسرائيل في حرب مواجهة منذ النكبة عام 1948. وتفّوق الجيش الإسرائيلي على الجيوش العربية والقدرات العربية الاستخباراتية والعملياتية أمر معروف ولا يجب نكرانه! فإذا كانت أقوى الجيوش العربية (الجيش المصري والجيش السوري، وبعض ألوية الجيش العراقي وغيره من القوات الرمزية) لم تستطع كسب شبر من أراضيها المغتصبة عام 1956 أو 1948، بل زادت رقعة احتلال إسرائيل في حرب 1967، لتشمل الأراضي المحتلة في فلسطين، والأردن، وسيناء بالكامل والجولان، فعن أي جيش مهزوم يتحدث الكاتبان البريطانيان؟ ولماذا يلعب المؤلفان على عقول بعض العرب باستخدام كلمات ماورائية، مثل "بقوة إيمانية خارقة لمنطق الشجاعة الإنسانية المألوفة"؟ وبلغة غبية وغير مُدركة للواقع على أرض لبنان، يقول المؤلفان: إن الطائرات الإسرائيلية لم تحقق أهدافها، فدفع العدو بجنوده البريين.. "وهم يتراجعون عن جحيم المقاومة". ويبدو أن المؤلفين البريطانيين لم يشاهدا الدمار الذي ألحقه الطيران الإسرائيلي بلبنان من بعلبك وحتى رأس الناقورة. ولم يشاهدا أن مُدناً وبلدات لبنانية سويت بالأرض، ولقد شاهدت ذلك بأمّ عيني في مدينة الخيام وما حولها، ناهيك عن الجسور التي ضربها الطيران الإسرائيلي بكل دقة، بحيث يحُجّم مرور قوات "حزب الله" من الجنوب إلى العاصمة، بل ولم يسلم الجسر المعلق الرابط -على الطريق الدولية- مع سوريا، وذلك لإعاقة أية إمدادات خارجية لـ"حزب الله". فكيف يعلن المؤلفان البريطانيان عن "عجز" الطيران الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه؟ للأسف، إن مثل هذه الكتب المتعاطفة مع الشعور العربي، وإن بدت في عيون الكثيرين مثار فخر واعتزاز، أو اعتراف غربي بنصر عربي "مزوّر" إلا أنها تخالف المنطق، وتؤلف لدينا جيشاً من الكتبة ومتنطِّعي الفضائيات الذين يبيعون أحلاماً للشعب العربي المسكين. وها هو لبنان يعيش على أعتاب فتنة طائفية، تغذيها جهات لا تريد لهذا البلد أن ينهض ويمارس دوره الريادي في الحرية والديمقراطية، وها هو الدين يعود مرة ثانية ليتواجه مع الديمقراطية، وها هو الخلط المؤسف للدين بالسياسة، الأمر الذي "يستنهض" ركوبة الدين من أجل المنابر السياسية، تماماً كما يعيش الإعلام "المتخبّط" في السماء العربية، مُغذياً الفتنة الطائفية التي تشطر لبنان وتعبث بمستقبل أبنائه. إن عالم اليوم يختلف عن عالم الثوار الحُمر! وإن الشعارات التي أطلقت في الخمسينيات من القرن العشرين لا تصلح لليوم، حيث المقاومة ليست على الطريقة الفيتنامية أو الساندينية، وحيث الأسلحة ليست "كلاشينكوف" أو قنبلة (رمانة) يدوية! كما أن انتقاص سيادة بلد مستقل لا يمكن أن يتم كما هو حاصل اليوم في لبنان، ولا يجوز بأي حال من الأحوال اللجوء إلى قتل اللبنانيين الشرفاء أمثال الحريري والجميّل وغيرهم، بقصد إشاعة البغضاء والفوضى بين أبناء الشعب الواحد، تحت دعاوى التحزّب وخدمة العقائدية الخارجية! كما أن تحالف فئة من أبناء لبنان مع قوى خارجية ليست لصالح البلد، ولا يمكن أن تعتبر من المناقب الحضارية للتحالف الوطني. كما أن لغة "التخوين" التي تجاهر بها بعض العناصر عبر الفضائيات لا تصب في مصلحة لبنان ولا في قضية البحث عن الحقيقة المغيبة في الذاكرة اللبنانية. نقول إن الكتاب المذكور "كيف هزم حزبُ الله إسرائيل"؟ How Hezbollah Defeated Israel? الذي يحتوي وجهة نظر مغايرة لمسيرة التاريخ ولنتائج الحرب الأخيرة على لبنان لم يخدم قضيتنا العربية، ذلك أن الغرب يدرك كيفية جرّ العرب إلى دنيا الأوهام، وبيعهم الانتصارات الورقية. ندعو كتّابنا العرب -عندما يتناولون مؤلفاً غربياً- أن يدركوا الأهداف والغايات وراء مثل ذلك المؤلف. وللعلم، فإن حسن نصرالله زعيم "حزب الله" اعترف ذات يوم بأنه لو كان يدرك حجم الدمار الذي وقع على لبنان لما أقدم على أسر الجندي أو الجنديين الإسرائيليين! لا أدري لماذا نُغرم بنتاج بعض الغربيين الذين يعاملوننا كـ"فئران مختبر" ونتوه بالنشوى الكاذبة من أننا منتصرون!