أثناء حضوري لعدة ندوات ومؤتمرات تناولت البرنامج النووي الإيراني، صدمتني حقيقتان، الأولى، إصرار البعض على رؤية البرنامج النووي الإيراني بمواجهة البرنامج الإسرائيلي، والثانية، إصرار البعض، بين المثقفين والنخبة، على القول إنّ البرنامج الإيراني، والتصريحات الإيرانية، عن "الهولوكوست"، وإقامة شرق أوسط إسلامي، تعبير عن مشروع حضاري إيراني، اقتصادي وسياسي وفكري. وأحد أسباب الصدمة من الحديث عن مشروع حضاري إيراني، هو التجاهل، أو عدم المعرفة، بحقيقة الوضع الإيراني الداخلي، بعد قرابة ثلاثة عقود من "الثورة الإسلامية". ولا أدري إذا كان المدافعون عن هذا "المشروع الحضاري"، يعلمون أنّه بحسب التقارير الإيرانية الرسمية المنشورة، أنّ عدد مدمني المخدرات في إيران يصل إلى 4 ملايين مدمن، بنسبة زيادة سنوية مستمرة بنحو 10%، ما يجعل إيران بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، صاحبة أعلى نسبة إدمان في العالم، (نحو 8% من السكان)، ودون منافس قريب منها. وبحسب صحيفة "بيك إيران" في يونيو 2006، يزداد إدمان المخدرات بين النساء والأولاد، بشكل كبير، وهناك اتجاه لأنواع جديدة من المخدرات مثل الهرويين، والمورفين، وحبوب الهلوسة. وترتبط بظاهرة المخدرات الإصابة بمرض "الإيدز"، وبينما تشير تقارير إيرانية وعالمية إلى أن نسبة 5% من المدنين يحملون فيروس الإيدز، اعترف عباس صداقت، رئيس دائرة مكافحة الإيدز، في وزارة الصحة الإيرانية في يوليو 2006 بإصابة 13 ألف شخص فقط. وترتبط هذه الظاهرة بنسب الفقر، والبطالة العالية، التي تعترف الحكومة بأنها نحو 11% فيما تقول تقارير مستقلة إنها 25%. وتتحدث شخصيات حكومية عن أنّ ظاهرة ممارسة الدعارة تتسع بنسب مذهلة. وفي الشق الاقتصادي، فإنّ إيران التي تعتبر ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك"، تستورد من الخارج نحو 50% من البنزين الذي تستهلكه. وإيران التي تعلن لا مبالاتها بالحصار الدولي، لديها احتياطيات من البنزين لمدة 45 يوماً فقط. وفي يونيو 2006، قال وزير النفط الإيراني إن إيران ستوقف استيراد البنزين اعتباراً من ?? سبتمبر وتبدأ في ترشيد استهلاكه عن طريق توزيعه بالحصص، لأنه لا يوجد بند خاص بمخصصات استيراد البنزين في ميزانية النصف الثاني من العام (تداركت الحكومة القرار لاحقاً ووفرت مخصصات). وهنا يجب الإشارة إلى أنّ إيران لديها "مشاريع" لتحديث 5 مصافي تكرير وبناء 3 جديدة، ولكن هذه المشاريع مجمدة منذ سنوات. وجزء من أسباب تعثر هذه القطاعات الاقتصادية، خضوعها للمساجلات والانقسامات الأيديولوجية السياسية الداخلية، وما تعثر تعيين وزير للنفط ، لأسابيع، في بداية عهد الرئيس الإيراني الحالي، محمود أحمدي نجاد، إلا دليل على ذلك. وما إعطاء عقد للحرس الثوري الإيراني، في منتصف 2006، لتنفيذ خط أنابيب للغاز، بقيمة مليار دولار، دون عطاء أو منافسة، إلا دليل على ذلك. وتحصل شركات القطاع العام الإيراني على نحو 130 مليار دولار سنوياً دون أرباح واقعية. والسؤال إذا كانت حسابات الطاقة جزءاً من الصراعات الداخلية، هل يعقل ألا تكون الطاقة النووية، والأسلحة التقليدية، وغير التقليدية، جزءاً من حسابات العلاقة مع الدول العربية المجاورة؟ يضاف إلى ذلك، سجل إيران مع الأقليات، ومنها الأقلية العربية، في منطقة الأهواز، ففي انتفاضة الأهواز في إبريل 2005، وحدها (بحسب الجارديان) يقدر عدد القتلى بمئة وستين شخصاً، يضاف إلى ذلك، الاعتقالات المستمرة لمئات من العرب، وهذا يصدق على أقليات أخرى. وهو حال الناشطين السياسيين الإيرانيين الجامعيين والطلاب، الذين عاشوا في 2006 عاماً حافلاً بالاعتقالات وإنهاء الخدمات. بعد ذلك يبدو السؤال مبرراً؛ ألا تجب معرفة إيران من الداخل قبل الحديث عن مشروع حضاري؟ ومن المعروف أنّ نظاماً يعاني مثل هذه الأزمات الداخلية، يصدّر أزماته للخارج، باصطناع أزمات ليست على غرار الأزمة بشأن "الهولوكوست" فحسب، بل ومع الدول المجاورة. ثم ألا تجدر الخشية من تصدير كل هذه الأزمات للجوار؟ وكيف يمكن الركون للنوايا الإيرانية النووية، ولسلامة مشاريعها بيئياً وسلمياً وعسكرياً، ولمحاولتها مد علاقات مع جماعات مختلفة في دول الجوار بذرائع طائفية وأخرى سياسية مختلفة؟ aj.azem@gmail.com