رحل صدام... رجل المفاجآت والصدمات، بهدوء وثقة، وبغدرٍ عظيم، دون قلق من قاتليه بشأن احتفال المسلمين بعيدهم الثاني، ودون توجس بأنهم يصنعون من المشنوق بطلاً شهيداً وأسطورة عربية بلا منازع. فغلطة الشاطر بألف غلطة، ويبدو أن الألف غلطة ستترى بكافة أشكالها وعنفوانها وغضبها. فلِمَ كان هذا اليوم بالذات، عيد السنة بحج مبرور وذنوب ربما كانت مغفورة؟ إنها إهانة كانت مقصودة لكل الأمة بلا استثناء. وكأن الصفعة لابد أن تكون مشتركة والمشنقة منصوبة لقدر أمة موعودة بالغدر والدم. رحل الرجل الذي أقلق الأسد في عرينه، فجاء بقضّه وقضيضه ليعلن حرباً من طرف واحد، لتطبق السماء وتنشق الأرض على أبرياء عزل بدعوى نشر الديمقراطية، ذهب الطاغية فمتى يذهب رجل التحرير والعدالة؟! هل كان وجود صدام حسين على قيد الحياة هو العائق أمام انسحاب فلول التحرير؟ علينا إذن أن ننتظر الحرية وأن يحلم أهالي العراق بتوقف شلالات الدماء عن التدفق، فبالضرورة كان صدام السجين هو الذي نصب مئات الأفخاخ ليموت العراقي بسهولة ومكر، وأن تكون الجثث دون عنوان وكأن أصحابها قطيع بلا راعٍ. المؤامرة كانت محكمة وعصية، فليس من السهولة أن يكون الانتقام دون فضيحة علنية لجارة كانت لوقت طويل، تحلم بالثأر من العراق، فإيران اليوم هي المستفيد الأول والأخير من هذا الفعل، ولعل أميركا بذلك تهديها رأس الطاغية على طبق من ذهب وفقاً لصفقة سرية سيعلنها التاريخ عاجلاً أم آجلاً. والأزمة الحقيقية أننا أمة لا تقرأ التاريخ، فلو تتبعنا الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ضد الفلبين، والوحشية التي اقترفتها في هاييتي والغزوات المحمومة لنيكاراغوا والغزوات الدموية لجمهورية الدومنيكان، كلها حروب كانت تفضح الوجه القبيح لبلد العدالة والحرية المدّعاه. فالعراق إذن حالة ضمن حالات مشينة أخرى عديدة، إلا أن العراق اختلفت لكثرة الخيانة التي أطلت برأسها حالما سقطت بغداد، إنهم التتار الجدد الذين أسقطوا بغداد من قرون وتماماً ذات الطبيعة والخبث والعبث لولا اختلاف أرقام التاريخ ليس إلا. ما حدث عبارة عن إعلان صريح عن حقيقة المشهد العراقي، وعن حقيقة المجرم الحقيقي الذي يصر أن يحول مجد العراق إلى مجرد مأتم وسواد حتى في وضح النهار. الخطر محدق بالجيران جميعاً، وحالة العراق مثال حي على ما يعتمل في النفوس من كراهية وأحقاد تاريخية، كان نظام صدام -رغم كل عيوبه- جداراً واقياً ضدها. متى يرحل العلوج إذاً؟ ذهب صدام، وعليه فالانسحاب اليوم هو الواقع المفترض، لكن ما هو قائم يحتاج إلى تفسير، وتفسير مفصّل، حتى يتسنى للتاريخ أن يقول كلمته ويتسنى لنا أن نتعلم ونحذر ونقرأ!!